زمن الكنيسة وحياتها بعد القيامة حقًّا قام المسيح قام زمن الكنيسة وحياتها بعد القيامة عهد جديد OCE Net – 28/04/2007
ماهيَّة الكنيسة سؤال: ما هو تحديد الكنيسة (Définition de l’Eglise)؟ إجابات المشاركين.
جواب: لا يمكننا أن نحدِّد الكنيسة. يمكننا أن نصفها فقط. لماذا؟ لأنَّ الكنيسة هي ”ملكوت الله الذي أتى، والذي سيأتي“ (L’Eglise est le Royaume de Dieu qui est déjà là et pas encore) لأنّ الكنيسة هي حقيقة في تطوّر (Réalité en évolution) كلّ المشكلة تبدأ هنا، من هذا السؤال، أي ما هو تحديد الكنيسة؟
البعض يحدِّد الكنيسة بالنسبة لعقيدتها (Ecclesia in statu confesionis)، مثلاً: كنيسة أرثوذكسيَّة، كاثوليكيَّة، بروتستانتيَّة، الخ. وهذا ما يعتمده الكاثوليك إبتداء من القرن 12 والبروتستانت عمومًا والأرثوذكس منذ القرن 17، تحت تأثير اللاهوت الكاثوليكي؛ الكاثوليك يعرّفون الكنيسة على أنها ”المجتمع الكامل“ (Societas Perfecta) بحسب المجمع الفاتيكاني الثاني في ستينات القرن الماضي؛
لا تحدّد الكنيسة لا بالعقيدة ولا كمجتمع كامل؛ الكنيسة تصبو إلى الملكوت وهي لهذا تسعى إلى أن تكشف هذه الحقيقة، أي الملكوت؛ الكنيسة إيقونة الملكوت الآتي، وهي تأوّن (actualise) هذه الحقيقة عبر الإفخارستيَّا حيث تتجلَّى كـ”جسد المسيح“؛ الكتاب المقدَّس يخبر عن هذه الحقيقة المعاشة وهذا ما سنحاول أن نكتشفه سويّة من خلال سفر أعمال الرسل والكتاب المقدَّس بشكل أساسي .
ميلاد الكنيسة وحياتها ميلادها في العشاء السرِّي أسَّس المسيح يسوع الكنيسة، وفي العنصرة تأوَّنَت وظهرت إلى العلن (Elle fut actualisée) (أع 2: 1 - 4)؛ من يوم العنصرة استقرّ الروح في الكنيسة، وعاشت الكنيسة بالروح القدس؛ الكنيسة هي ”كنيسة الله التي اقتناها بدمه“ (أع 20: 28)، هي كنيسة الله في المسيح، هي ”كنيسة الروح القدس“؛
لكن، من المهمّ أن لا ننسى بأن الكنيسة خرجت بشكل طبيعي من انتظار العبرانيين، لأن الرب وعد ابراهيم بأنه منه سيخرج شعب الله وبه تتبارك فيه جميع قبائل الأرض (تكو 12: 1 - 3) كان اليهود ينتظرون مسيحًا يجمع شعب الله المشتت ويملك عليهم في صهيون إلى الأبد. هذا الإنتظار تحقَّق وشعب الله من اليهود والأمم جمع حول المسيح في ”صهيون الجديدة“ الكنيسة حيث الرب يسوع يملك مع الله الآب والروح القدس.
حياتها الكنيسة جسم مواهبيّ (Organisme charismatique) لأنها تحيا وتتحرَّك بالروح القدس (1كو 12: 3 - 11)؛ يقول القديس إيرينيوس (القرن 2 م.) ”حيث تكون الكنيسة، هناك أيضًا يكون روح الله؛ وحيث يكون روح الله، هناك تكون الكنيسة وملء النعمة (omnis gratia)“. كيف تجلَّى ”ملء النعمة“ في الكنيسة الأولى؟ هل بحياة مثاليَّة كاملة دون ضعفات وخطايا، أم في عقيدة مستقيمة، أم في حياتها نفسها؟ بكلمات أخرى، هل كان فعلاً وحقًّا الروح القدس الواحد هو الأساس لكلّ حياة الكنيسة؟
نؤمن مع بطرس بأنّه في الكنيسة (dans l’Eglise) تحقَّقت نبوءة يوئيل: ” 17يَقُولُ اللهُ: وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤًى وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلاَمًا. 18وَعَلَى عَبِيدِي أَيْضًا وَإِمَائِي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ فَيَتَنَبَّأُونَ …“ الله يسكب روحه على كلّ بشر، أي ”كلّ“ إنسان يقبل المسيح تستقرّ فيه نعمة الله كاملة بالروح الإلهي الذي ناله في المعموديّة، كما أجاب بطرس الجموع الذين سألوه مع الرسل: ” «مَاذَا نَصْنَعُ أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ؟» 38فَقَالَ لَهُمْ بُطْرُسُ :«تُوبُوا وَلْيَعْتَمِدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ عَلَى اسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ لِغُفْرَانِ الْخَطَايَا، فَتَقْبَلُوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 39لأَنَّ الْمَوْعِدَ هُوَ لَكُمْ وَلأَوْلاَدِكُمْ وَلِكُلِّ الَّذِينَ عَلَى بُعْدٍ، كُلِّ مَنْ يَدْعُوهُ الرَّبُّ إِلهُنَا». “
في مؤلّفه حول الأسرار يقول القديس سمعان التسالونيكي: ”من اعتمد ومُسِحَ (بالميرون) يحوي في ذاته، بحسب ما يستطيع، كلّ المواهب الإلهيَّة، التي تتجلّى فيه مع الوقت، على قدر ما يتنقّى ويظهر مستحقًّا لتفعَل فيه، ما خلا نعمة الكهنوت“؛ إذا الروح القدس يحلّ بملء نعمته على كلّ من يقبل الرب يسوع سيدًا ومخلِّصًا فيصير الروحُ حياةَ يسوع فيه ويصير يسوع حياته، فيتجلّى، بالتالي، يسوع من خلاله. هذا هو ”روح الحق، موهبة التبنّي، عربون الميراث الآتي، باكورة الخيرات الأبديّة، القوّة المحيية، ينبوع التقديس“، الذي بتأييده تعبد الله كلّ الخلائق الناطقة والعقليَّة وتمجّده على الدوام (من أنافورا القديس باسيلوس الكبير).
يمكننا القول، بناء على ما سبق أن الكنيسة تنتمي إلى الدهر الآتي، إلى الأبديَّة، لأنّ حياتها هو الروح القدس، رغم وجودها في الزمن القديم أي هذا الدهر؛ الكنيسة هي محلّ الآخرة في الزمن الحاضر، هي بداية ”آخر الأيام“ أو بالأحرى بداية ”اليوم الذي لا يغرب“. لذلك نقرأ في رسالة بطرس الأولى أنّ المسيحيين هم ”جنس مختار وكهنوت ملوكيّ أمّة مقدّسة شعب اقتناء“ (2: 9) كلّ حياة المسيحيَّة الأولى ارتكزت على مبدأ أن الكلّ خدّام في الكنيسة أي ”كهنوت ملوكيّ“، كلّ حسب ما أعطي له. لذلك نرى أن الجماعة منذ البداية كانت تختار أناسًا لخدمات (ministères) خاصَّة، مثلا اختيار الشمامسة السبعة (أع 6: 1 – 6) على الرغم من أنّ كلّ عضو في الجسد مطلوب منه القيام بخدمته في جسد المسيح كما نقرأ عند بولس الرسول (رو 12: 4 - 16)، وإلاّ فكيف يكون عضوًا في الجسد؟
نقرأ في أعمال الرسل (2: 42 - 47) ” وَكَانُوا يُواظِبُونَ عَلَى تَعْلِيمِ الرُّسُلِ، وَالشَّرِكَةِ، وَكَسْرِ الْخُبْزِ، وَالصَّلَوَاتِ. (...) وَجَمِيعُ الَّذِينَ آمَنُوا كَانُوا مَعًا، وَكَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. (...) وَكَانُوا كُلَّ يَوْمٍ يُواظِبُونَ فِي الْهَيْكَلِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ. وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ الْخُبْزَ فِي الْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ الطَّعَامَ بِابْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ، 47مُسَبِّحِينَ اللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ الشَّعْبِ. وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ.“ في الأرثوذكسيَّة لدينا مقياسين (paramètres) لكشف هويّة الكنيسة هما: الإفخارستيَّا والرهبنة.
المقطع الذي ذكرنا أعلاه من أعمال الرسل، يكشف لنا كيف أن الله الآب يمنح الكنيسة وجودها بيسوع المسيح في الروح القدس، في الإفخارستيَّا، وكيف أن الرهبنة تأوّن وتجسّد هذه النظرة الأخيريَّة (eschatologique) للكنيسة. هذه الجماعة المسيانيَّة الأخيريَّة (communauté messianique eschatologique) تحقَّقت، وهي تتحقَّق دومًا كلّما تجمّع شعب الله المشتّت، في مكان واحد محدَّد بإمامة الأسقف للإحتفال بالإفخارستيَّا (الجسد الإفخارستيّ – corps eucharistique). الإفخارستيّا توحّد الكلّ وتجمع المتفرقين إلى واحد هو المسيح، فيصير الكلّ في المسيح جسدًا واحدًا يحقِّق هذه الجماعة الأخيريَّة في العالم (الجسد الكنسي – corps ecclésial).
من هنا نفهم ما ورد في الإصحاح الخامس من سفر الأعمال عن حنانيا وسفيرة (1 - 11) اللذين اتفقا على الكذب على الله وتجربة روح الرب فماتا بالجسد بسبب خطيئتهما هذه، لأنّ الكنيسة التي هي مطرح الملكوت وإيقونته في هذا العالم الزائل لا يمكن أن يكون فيها خطأة، إذ لا خطأة في الملكوت، ومن اختار الرب يسوع واعترف به ربًّا وإلهًا لا يُخطئ كما يقول يوحنا في رسالته الأولى (5: 18) ”نعلم أنّ كلّ من ولد من الله لا يخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسّه“. هذه هي الرؤية إلى الكنيسة في الكتاب.
المواهب الكنسيّة (الهيرارخيّة) نسمع في أعمال الرسل عن شمامسة وشيوخ بالإضافة إلى الرسل. وبالإضافة إلى ذلك، نسمع في رسائل بولس عن الشيوخ الذين يرأسون الإفخارستيّا (proestôtes presbyterei) (1تي 5: 17) والشعب الذي يجيب ”آمين“. كما نسمع عن الأسقف (episcopos) (تي 1: 7) والشماسة (رو 16: 1؛ أنظر أيضًا 1تي 5: 9). وفي أعمال الرسل نسمع عن أول مجمع كنسي صار في أورشليم على أيام الرسل (أع 15).
الرسل، إذا، رتّبوا ما يسمّيه القديس هيبوليتس الرومي بـ ”المواهب“ (Χαρισμα ,charismes). في البداية كما يظهر من أعمال الرسل، كان لدينا الرسل والشعب، ثم الرسل والشمامسة والشعب، ثمّ نجد الشيوخ (presbytres) الذين كان الرسل يقيمونهم في الكنائس التي يؤسّسونها. من ثمّ وضع الرسل الأساقفة (أي الذين يراقبون من فوق). من هنا نشأ ترتيب الخدم في الكنيسة المحليَّة. لذلك في تعريف الكتاب والآباء الرسوليين والمدافعين، الكنيسة المحليَّة هي التي تتوفّر فيها المواهب الأربعة التالية: الأسقف، الشيوخ، الشمامسة والشعب.
لذلك في فكر القديس اغناطيوس الأنطاكي، الكنيسة هي اجتماع (synaxe) الجماعة (communauté) الأخيريَّة (eschatologique) في مكان واحد حول الأسقف مع الشيوخ والشمامسة. من هنا، فالكنيسة ليست فقط ما هي عليه في التاريخ ولكن ما ستكون عليه في الآخرة (Eschata). إنها حقيقة الملكوت المستقبليّة المنظورة والمعاشة مسبقًا، في كلّ مكان تقام فيه الإفخارستيّا. لذلك، فالجماعة المحليَّة هي المكان الذي تتجلّى فيه هذه الإيقونة للملكوت أي للجماعة الأخيريَّة. من هنا فالكنيسة تستمدّ هويّتها من ما ستكون عليه في الآخرة. حياة الكنيسة الأولى كانت هكذا مبنيّة على اساس الرسل وهذه الخبرة لحضور الملكوت في العالم. هذا ما يخبرنا عنه أعمال الرسل والرسائل. هذه هي رسالتها التي وعتها، [ن تكون إيقونة وكلمة إلى العالم تدعوه إلى الوحدة في المسيح ليصير ”الله الكلّ في الكلّ“ (1كو 15: 28).
المسيح قام حقًّا قام الأب طوني الصوري باريس، في 28 نيسان 2007