مادة التشريع الرياضي
المحور الأول مفاهيم و مبادئ عامة
الرياضة كنشاط جماعي في حاجة إلى شكل من التنظيم. مع التطور التاريخي تم تحديد غايات الرياضة التي تهدف إلى تنمية قدرات الفرد بدنيا وذهنيا وأخلاقيا أصبحت الأنشطة الرياضية تقوم على تنظيم الأنشطة التنافسية تطلب هذا التطور : إحداث هياكل مختصة للتأطير سن التشريعات والتراتيب التنظيمية
خصوصيات التشريع الرياضي ميزة التشريع الرياضي تكمن في تنظيمه وسنه أحكاما تهدف إلى تقنين ظاهرة إجتماعية ما إنفكت تتطور وتتوسع . الرياضة كنشاط إجتماعي منظم يمكن تحليلها من زاويتن معاكستين : فمن ناحية أولى، تكون الرياضة إنعكاسا لإتفاق إرادي لأفراد وجماعات يتولون تسييرها والمشاركة فيها وفقا لقواعد وخصوصيات فنية متفق بشأنها. ومن ناحية أخرى تبرز الرياضة كإطار للإلتزامات والواجبات ومجالا لممارسة صلاحيات السلطة العامة مما يؤكد الإرتباط الوثيق بين القانون والرياضة. إذا كانت الرياضة من حيث مصدرها وتنظيمها نشاطا خاصا فإنها تكون بالتوازي مع ذلك نشاطا عموميا يندرج ضمن إهتمامات الدولة بإعتباره نشاطا ذا نفع عام وهو ما يتطلب تدخل الدولة لتاطيرها وتنظيمها .
إخضاع الرياضة للقانون وهيكلة ممارسة الأنشطة الرياضية. ( مبحث أول) التشريع الرياضي كمنظومة قانونية له دور في: إخضاع الرياضة للقانون وهيكلة ممارسة الأنشطة الرياضية. ( مبحث أول) وهو أداة لإستيعاب القواعد والتراتيب الرياضية الصادرة عن الهياكل الرياضية الدولية ( مبحث ثاني)
المبحث الأول التشريع الرياضي ودوره في إخضاع الرياضة للقانون وهيكلة ممارسة الأنشطة الرياضية
يعكس التشريع الرياضي في تونس إرادة الدولة في تنظيم الرياضة وتأطيرها في إطار مهامها السيادية، بإعتبار أن الرياضة مثل بقية الأنشطة الإجتماعية لا تكون بمنأى عن القانون وبالتالي فإن التشريع الرياضي يكون إطارا لإخضاع الرياضة إلى القانون، وإذا كان إخضاع الرياضة إلى القانون أمر حتمي يفرضه الواقع والرهانات الموكولة إليها بحكم دورها التربوي ، فإن الرياضة تبقى من الظواهر الإجتماعية التي تحتفظ بخصوصيات تميزها عن بقية الأنشطة الإجتماعية .
الرياضة تتميز بقواعد تسيير وتنظيم خاصة بها ، كما أن مجال تدخلها وممارستها يتجاوز حدود الدولة الواحدة لتصبح بذلك نشاطا دوليا يتجاوز حدود الدولة الواحدة c’est une activité transnationale . وقد جعلت التظاهرات الرياضية الدولية والقارية والإقليمية من الرياضة نشاطا دوليا يتجاوز مجال تدخل الدولة الواحدة إضافة إلى ما تحدثه من رهانات مالية ضخمة التي تتعاضم حسب حجم التظاهرة العالمية ، وهو ما يحيلنا إلى القول بوجود "سلطة رياضية" une puissance sportiveخاصة ومستقلة ما إنفكت تتطور بمعزل عن تدخل ورقابة الدول. هذه السلطة التي تترجمها الهياكل الرياضية الدولية في سن القواعد الملزمة لتنظيم وممارسة الرياضة على الصعيد الوطني، وبالتالي ممارستها لضغوطات – بطريقة غير مباشرة- مما يدفع بالمشرع إلى "إستيعاب" هذه القواعد صلب التشريع الوطني .
مبحث أول التشريع الرياضي ودوره في إخضاع الرياضة للقانون وهيكلة ممارسة الأنشطة الرياضية
أدى تطور ممارسة الرياضة من المستوى الفردي إلى الإطار الجماعي أو التنافسي إلى بروز الحاجة إلى تقنين هذه الممارسة إنطلاقا من الجوانب الفنية البحتة وصولا إلى الحاجة لتنظيمها المحكم ( المادي و البشري )، خصوصا بعد تزايد الإهتمام الموكول للرياضة من من ناحية الحوافز والرهانات المالية. وتهدف جملة القواعد القانونية التي تم سنها في المجال الرياضي إلى تأطير ممارسة الرياضة وطرق تنظيم الهياكل الرياضية و علاقاتها فيما بينها.و قد شهدت فترة ما بعد الاستقلال سن عديد القوانين و عدة نصوص ترتيبية تتعلق بمختلف جوانب الحياة الرياضية و يتعلق أغلبها بمجالات رئيسية تتعلق بــ:
1- تنظيم الهياكل الرياضية 1- تنظيم الهياكل الرياضية تحتل الرياضة نصيبا هاما في النسيج الجمعياتي بصفة عامة و إلى جانب ذلك فهي تتميز بخصوصيات هامة عن بقية الجمعيات و لعل أبرزها أنظمتها الأساسية التي يتم ضبطها بالاعتماد على نظام أساسي نموذجي يصادق عليه الوزير المكلف بالرياضة. و يعتبر القانون الأساسي عدد 154 لسنة 1959 المؤرخ في 7 نوفمبر 1959 المتعلق بالجمعيات من أهم التشريعات التي تتعلق بالمجال الرياضي باعتبار أن أحكامه تهم كافة الجمعيات بمختلف أصنافها.
و قد أضاف القانون الأساسي عدد 25 لسنة 1992 المؤرخ في 25 أفريل 1992 المنقح والمتمم للقانون الأساسي للجمعيات عدة فقرات للفصل الأول حيث تم إحداث تصنيف جديد للجمعيات و تم التأكيد صراحة على خضوع الجمعيات الرياضية في تكوينها وإدارتها وحلها لأحكام القانون الأساسي للجمعيات. و تكمن الغاية الأساسية من وراء هذا التنصيص الصريح وتخصيص النشاط الرياضي بتصنيف خاص إلى المكانة التي أصبحت تحتلها الهياكل الرياضية باعتبارها الركيزة الأساسية في تأطير و تنظيم ودعم الأنشطة الرياضية والجهة المؤهلة إلى ضمان احترام القواعد الرياضية. وتمّ في سنة 2011 بمقتضى المرسوم عدد 88 إلغاء قانون الجمعيات وأحدث هذا المرسوم الأخير ثورة في إجراءات تكوينها وتنظيمها،
لماذا قانون أساسي خاص بالهياكل الرياضية ؟ تم سن القانون الأساسي الخاص بالهياكل الرياضية إعتبارا لخصوصيات الهياكل الرياضية مقارنة ببقية الجمعيات. الجمعيات الرياضية أهدافها محددة بالقانون في حين ترك قانون الجمعيات الحرية لمؤسسي بقية الجمعيات في تحديد الأهداف شريطة عدم المساس بالنظام العام والأخلاق الحميدة وعدم تحقيق أرباح. الإنخراط الوجوبي بالجامعات الرياضية للمشاركة في التظاهرات الرياضية وبالتالي تتحصل الجمعية الرياضية على صفة العضو وتصبح خاضعة إلى جملة من الإلتزامات كما أنها تتمتع بجملة من الحقوق. بموجب هذا القانون أصبحت الجامعات الرياضية تمارس صلاحيات ترجع أصلا للدولة حيث فوضت هذه الأخيرة بعض صلاحياتها لفائدة هذه الهياكل المتعلقة أساسا بتنظيم وتسيير أنشطة رياضية محددة. الجامعات الرياضية تمارس السلطة التأديبية تجاه منظوريها من جمعيات ورياضيين.
النشاط الرياضي يكتسي صبغة المرفق العام وذلك رغبة من المشرع في إخضاع تنظيم المنافسات الرياضية للقانون العام. الأهداف التي أنيطت اليوم بهذا النشاط الإجتماعي تلتقي في أغلبها مع غايات المصلحة العامة التي يعمل كل مرفق عام على تحقيقها. مؤشرات وجود المرفق العام الرياضي : توفر هدف المصلحة العامة في النشاط الرياضي تمتع الجامعات الرياضية بصلاحيات السلطة الرياضية مراقبة السلطة العمومية على الجامعات والجمعيات الرياضية.
تمتيع الجامعات الرياضية بصلاحيات السلطة العامة تتجلى هذه الصلاحيات في المجالات التالية : إحتكار سلطة تنظيم المنافسات الرياضية ( الفصل 12 من القانون الأساسي عدد 11 لسنة 1995 ) وهو ما يمثل إعترافا من الدولة بسيادة النظام الرياضي الممثل في الجامعات الرياضية. سلطة إتخاذ قرارات أحادية الجانب ذلك أن تنظيم الأنشطة الرياضية يقتضي إتخاذ تراتيب وقرارات من قبل الجامعات الرياضية من أهمها إعداد كراس الشروط الخاص بإنخراط الجمعيات الرياضية صلبها والصلاحيات المالية المتمثلة في معاليم الإنخراط. مثلا : يمكن أن يؤدي عدم إلتزام جمعية بواجباتها المالية إلى فقدان عضويتها.
2 - تنظيم ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية 2 - تنظيم ممارسة الأنشطة البدنية والرياضية نظرا للمكانة الهامة التي تحتلها الرياضة على جميع الأصعدة سياسية كانت أو اقتصادية أواجتماعية أو ثقافية فقد أصبح من الضروري تأطير هذه الظاهرة من الناحية القانونية وذلك بتنظيمها وتحديد دور الهياكل المتدخلة فيها. ولعل الميزة الهامة لهذه الظاهرة كونها مفهوما "جامعا" لعدة مفاهيم ومصطلحات شبيهة ذلك أن لمفهوم الرياضة مفاهيم تتلتصق بها من حيث الغايات والأهداف وهما مصطلحي التربية البدنية والأنشطة البدنية والرياضية.
ترجع المحاولة الأولى لتقنين الممارسة الرياضية إلى سنة 1960 حيث صدر المرسوم عدد 4 لسنة 1960 المؤرخ في 9 فيفري 1960 والمتعلق بتحديد نظام الرياضة المدنية وتضمن ضبطا لمختلف المسائل المتعلقة بأوجه النشاط الرياضي سواء المتعلقة بالرياضة المدنية أو بالجمعيات والجامعات الرياضية والمشاركات في المباريات الدولية . بقي هذا المرسوم ساري المفعول إلى حدود سنة 1984 حيث صدر القانون عدد 63 لسنة 1984 المؤرخ في 6 أوت 1984 المتعلق بتنظيم وتنمية الأنشطة البدنية و الرياضية الذي حدد الطبيعة القانونية لممارسة الأنشطة الرياضية في تونس و ذلك في نطاق الهواية فحسب وفوض للدولة مهمة ضمان احترام هذا المبدأ وتمويل الأنشطة الرياضية و ذلك تأكيدا لما تمثله الهواية من قيمة أساسية للحركة الأولمبية وللدولة إلى حد ذلك التاريخ ، حيث بمرور السنوات تطورت المفاهيم والقيم و شهد مفهوم الهواية تراجعا هاما حيث أصبحت لا تتماشى مع التطور الحاصل في الرياضة و في المبادئ التي قامت عليها الحركة الأولمبية و في الأهداف الموكولة للرياضة.
تماشيا مع التطورات الحاصلة في الواقع الرياضي، شهد التشريع الرياضي تحولا هاما سنة 1994 حيث تم إدخال تعديلات هامة تخص تنظيم الرياضة في تونس و ذلك بصدور القانون عدد 104 لسنة 1994 المؤرخ في 3 أوت 1994 المتعلق بتنظيم و تطوير الأنشطة البدنية والرياضية الذي ألغى التشريع السابق المتمثل في القانون عدد 63 لسنة 1984. تضمن قانون سنة 1994 أحكاما تتعلق بتنظيم كافة جوانب ممارسة النشاط وذلك سواء فيما يتعلق بتعاطي التربية البدنية والأنشطة الرياضية المدرسية والجامعية وممارسة الأنشطة الرياضية للمعوقين وتعاطي الأنشطة الرياضية بالمؤسسات والإدارات ورياضيي النخبة والمنشآت الرياضية وضبط الإجراءات التأديبية والعقوبات الجزائية التي يتم إقرارها في حالة الإخلال بالسلوك و الروح الرياضية.
يعتبر إقرار نظام غير الهواية من أهم التوجهات التي تضمنها قانون سنة 1994 وذلك تكريسا للتغييرات والتطورات الحاصلة على مستوى الواقع والتي أفرزت ظهور ممارسات تتعارض مع نظام الهواية حيث أنه وإلى غاية صدور هذا القانون كان عديد الرياضيين يتمتعون بامتيازات شبيهة بتلك التي تتوفر للرياضيين المحترفين إلا أنهم يخضعون قانونيا لنظام الهواة. يهدف نظام غير الهواية إلى تقنين الممارسات التي كانت سائدة في نظام الهواية بهدف ضمان شفافية الممارسة الرياضية إضافة إلى ضمان تفرغ الرياضيين للنشاط الرياضي صلب جمعيتهم نظير توفير ضمانات هامة طيلة مسيرتهم الرياضية صلب أي جمعية كانت.
3- دعم رياضة النخبة تضمن القانون عدد 104 لسنة 1994 عديد الأحكام المتعلقة برياضة النخبة ووسائل و آليات دعمها و العناية بها و إقرار عدة امتيازات لفائدة رياضيي النخبة و التي تجسدت من خلال نصوص تطبيقية للقانون المذكور.(مثال: الأمر عدد 3290 لسنة 2005 المؤرخ في 19 ديسمبر 2005 المتعلق بضبط النظام الأساسي الخاص برياضيي النخبة+الأمر عدد 668 لسنة 2006 المؤرخ في 6 مارس 2006 المتعلق بضبط طرق وشروط إسناد الرخص الإستثنائية لرياضي النخبة).
4- العناية بالسلوك الرياضي وترسيخ القيم الأولمبية تضمن القانون عدد 104 لسنة 1994 بابا يتعلق بالإخلال بالروح الرياضية حيث تم ضبط قائمة : المخالفات والجنح والجرائم الخاصة بالمجال الرياضي العقوبات الجزائية المناسبة
-5 إستغلال المنشآت والتجهيزات الرياضية والمحافظة عليها -5 إستغلال المنشآت والتجهيزات الرياضية والمحافظة عليها تحتل المنشآت الرياضية جانبا هاما ورئيسيا في ممارسة الأنشطة الرياضية ودعامة أساسية للهياكل الرياضية للقيام بأداء رسالتها التربوية والاجتماعية .واعتبارا لهذه المكانة أولت الدولة عناية خصوصية بهذا المجال . وقد جاء القانون عدد 92 لسنة 1976 المؤرخ في 4 نوفمبر 1976 المتعلق بالهيكل الأساسي الرياضي والاجتماعي التربوي ليحدد مكانة التجهيزات الرياضية والاجتماعية التربوية وذلك بالتنصيص على وجوبية أن تشمل الأمثلة الرئيسية للمدن والتهيئة الريفية المساحات اللازمة للهيكل الأساسي الرياضي والاجتماعي التربوي المعد للشبان.
وقد عرّف هذا القانون الهيكل الأساسي الرياضي والاجتماعي التربوي بأنه مجموعة التجهيزات التابعة لمنظمات أو جامعات أو مؤسسات تشرف عليها الوزارات المعنية والغاية منها ممارسة التربية البدنية والرياضات وكذلك أنشطة الشباب الثقافية والفنية والعلمية. الإجراء الهام الذي جاء به هذا القانون يكمن في حماية المنشآت الرياضية وبقية المنشآت المخصصة لاحتضان الأنشطة الموجهة للشباب من أي إجراء من شأنه المساس من التوظيف الأصلي لها أو استغلالها في أغراض أخرى غير التي أنجزت من شأنها، كما تم التنصيص على مبادئ المساواة والعدالة في استغلال المنشآت المشيدة بمساعدة الدولة و ذلك بفتحها لجميع أصناف المستعملين دون تمييز.
وفي نفس السياق ألزم القانون عدد 104 لسنة 1994 كل البلديات والجمعيات والمؤسسات التي تشرف على منشآت رياضية مشيدة بمساهمة الدولة بإحكام استغلالها والمحافظة عليها وصيانتها. كما جاء القانون عدد 104 لسنة 1994 بآليات جديدة ترمي إلى تشريك الهياكل الرياضية في مجال البنية الأساسية الرياضية وذلك باستشارتها في إعداد الأمثلة الهندسية وتحديد المعايير الفنية للمنشآت والشروط المتعلقة بسلامة الرياضيين و المسؤولين والجمهور والصحفيين.
مبحث ثاني التشريع الرياضي آداة لإستيعاب القواعد والتراتيب الرياضية الصادرة عن الهياكل الرياضية الدولية
لعل السمة البارزة التي طبعت أواخر القرن العشرين تكمن في تنامي عدد الجمعيات والمنظمات في أغلب المجتمعات، وتنامي الأدوار الموكولة إليها في شتى الميادين مما جعل من البعض منها قوى فاعلة و مؤثرة وحتى ضاغطة في بعض الأحيان. وقد نجد على الصعيد الرياضي خير دعامة لما سبق ذكره إذا ما أدركنا حجم ونفوذ بعض الهياكل الرياضية الدولية على غرار اللجنة الدولية الأولمبية أوالإتحاد الدولي لكرة القدم وكلاهما ذات خاصة ( من أشخاص القانون الخاص) يخضعان إلى القانون السويسري نظرا لوجود مقريهما الإجتماعييين بهذا البلد.
أمام تنامي أدوار هذه الهياكل الرياضية الدولية في مجال سن القواعد الملزمة والآمرة للجامعات الرياضية الوطنية ، يلتجأ المشرع عادة إلى إستيعاب القواعد والتراتيب الصادرة عن هذه الهياكل الخاصة إستنادا إلى أن النشاط الرياضي هو نشاط خاص بالأساس يمارسه الفرد بصفة تلقائية أو ضمن إطار منظم. النشاط الرياضي لا يمكن دراسته خارج إطار " القانون" (كشكل من أشكال التنظيم) ، ولا يمكن تسييره دون قواعد ، ذلك أن كل رياضة يتم تنظيمها وتسييرها بالإعتماد على عدة قواعد أو تراتيب متفق بشأنها ويتم تقنينها في شكل " تراتيب داخلية" آو "قواعد فنية" أو " قواعد اللعبة " وهو ما يعكس كثافة أعمال التقنين في المجال الرياضي.
فإذا أخذنا أي رياضة على سبيل المثال فإننا سنجد نصوصا عديدة و متنوعة صادرة عن الإتحاد الدولي المنظم لهذا النشاط الرياضي والتي تتعلق بضبط ” قوانين اللعبة أو المسابقة " إنطلاقا من ممارسة اللعبة على غرار عدد المتسابقين وأزيائهم وقواعد المسابقات وغيرها من قواعد ممارسة هذه اللعبة التي من دونها تفقد هذه الأخيرة تناسقها و خصوصياتها لدى ممارسيها عبر الزمان والمكان.
وتثير تقنية الإستيعاب، إشكالا يتعلق "بالإدماج اللاتلقائي" لعديد القواعد الآمرة التي سنتها هذه الهياكل ضمن المنظومة التشريعية للدولة كشكل من أشكال " المواجهة" مع إستقلالية الهياكل الرياضية، هذه الإستقلالية التي تمثل حجر الزاوية في عمل هذه الهياكل، وهو ما حدى بالبعض إلى الحديث عن المساس بمبادئ السيادة الوطنية. وترتكز تقنية إستيعاب القواعد والتراتيب الصادرة عن الهياكل الدولية ضمن مجال التدخل التشريعي للدولة على عوامل رئيسية تتمثل في : أولا : دور الهياكل الرياضية وتنظيمها. ثانيا : القبول بالمبادرات "التشريعية" لهياكل الحركة الرياضية العالمية.
أولا: دور الهياكل الرياضية تلعب الهياكل الرياضية وخاصة الدولية منها دورا رئيسيا في تنظيم و تأطير الرياضة إستنادا إلى سلطتها في تقنين اللعبة (le pouvoir normatif) ممارسة و تسييرا بحكم صلاحياتها الواسعة في ضبط القواعد الفنية والتنظيمية لمختلف الرياضات. تتولى الهياكل الرياضية تحديد و ضمان التناسق الذي من دونه لا يمكن تنظيم الرياضة حسب قواعد ثابتة و ملزمة تجعل من الرياضة "عالما من القواعد والقوانين" .
تمارس الهياكل الدولية مهمة رئيسية في تنظيم الرياضة بمختلف أصنافها ، ومن خلال هذه المهمة تستمد هذه الهياكل شرعيتها وقوتها وعلويتها في عدد من الحالات التي تترجم من خلال التنظيم الهرمي للهياكل الرياضية :
بقية الهياكل الدولية المعنية بالرياضة الوكالة العالمية لمكافحة تعاطي المنشطات وهي منظمة خاضعة للقانون الخاص السويسري ، مقرها الرسمي لوزان بسويسرا، ولها مكتب رئيسي بمونريال بالكندا و تهدف إلى تنمية و تنسيق مكافحة تعاطي المنشطات على الصعيد العالمي عن طريق إجراء إختبارات ، و لذلك فهي تتعاون مع المنظمات و الهيئات الحكومية المشتركة و الحكومات و الهيئات الدولية الهتمة بمكافحة المنشطات في المجال الرياضي على غرار اللجنة الدولية الأولمبية و الجامعات الرياضية الدولية و اللجان الأولمبية الوطنية و الرياضيين. محكمة التحكيم الرياضية ( Tribunal Arbitral du Sport ): وهي أعلى سلطة تحكيم في المجال تم إحداثها لمجابهة تنامي النزاعات الرياضية الدولية وخاصة في ما يتعلق بالإحتراف في بداية الثمانينات بدعم من اللجنة الدولية الأولمبية ورئيسها السابق "خوان أنطونيو سامارانش". وقد تم ضبط النظام الأساسي لهذه الهيئة بداية من سنة 1984 مع إعداد مجلة للإجراءات لديها . وقد شهدت هذه الهيئة تنقيجا هاما سنة 1994 تتمثل في إحداث غرفتين ( غرفة التحكيم العادي وغرفة الإستئناف) ، والتي أدت إلى الفصل بين الدعاوى من الدرجة الأولى ودعاوى الطعن أوإستئناف الأحكام الصادرة عن هيكل رياضي.
مميزات و آثار التنظيم الهرمي للهياكل الرياضية مميزات و آثار التنظيم الهرمي للهياكل الرياضية يتميز التنظيم الهرمي للهياكل الرياضية بما يلي : أ- في مجال سن التراتيب الرياضية : إحتكار الهيآت الرياضية العليا لسلطة سن القوانين الرياضية حيث تكون الجامعات الرياضية الدولية هي الجهة الوحيدة المؤهلة لسن التراتيب الرياضية الفنية والتنظيمية لكل صنف من الرياضات المعتمدة. لا يمكن لأي هيئة رياضية أدنى مرتبة أن تقوم بتغييرات على مستوى القواعد الفنية للرياضة المعنية.
ب- في مستوى تنظيم التظاهرات الرياضية ب- في مستوى تنظيم التظاهرات الرياضية إحتكار الهيآت الرياضية العليا لسلطة تنظيبم التظاهرات الرياضية العالمية بحيث تكون اللجنة الدولية الأولمبية للألعاب الموازية هي الجهـــة الوحيدة المؤهلة لإسنــــاد تنظيـــم الألعاب الأولمبية الموازية والإشراف على تنظيبمها. كما تكون الجامعات الدولية هي الجهة الوحيدة المؤهلة لإسناد تنظيم البطولات العالمية و الإشراف على تنظيمها. و من جهته تكون الكنفدرالية الإفريقية لرياضة المعوقين هي الجهة الوحيدة المؤهلة لإسناد تنظيم البطولات الإفريقية و الإشراف عليها. تكون الهيآت الرياضية الدولية هي الجهة الوحيدة المؤهلة للتعامل مع بقية الأطراف المتدخلة في تنظيم التظاهرات الرياضية الدولية و تسويق كافة الحقوق المرتبطة بهذه التظاهرات على غرار حقوق البث التلفزي و الإشهار و الإستشهار.
ج- في المجال التأديبي يخول التنظيم الهرمي للهياكل الرياضية تسليط عقوبات من قبل السلطة الأعلى على الجهة الأقل مرتبة من ذلك : أن اللجنة الدولية الأولمبية بإمكانها تسليط عقوبات على الجامعات الدولية تصل إلى وضع حد لعضويتها. أن الجامعات الرياضية الدولية بإمكانها تسليط عقوبات على الكنفدراليات القارية والإقليمية و الجامعات الوطنية. أن الكنفدراليات الإفريقية بإمكانها تسليط عقوبات على الجامعات الوطنية. أن الإتحادات الإقليمية بإمكانها تسليط عقوبات على الجامعات الوطنية. أن الجامعات الوطنية بإمكانها تسليط عقوبات على الجمعيات الرياضية.
ثانيا: القبول بالمبادرات "التشريعية" لهياكل الحركة الرياضية العالمية : ثانيا: القبول بالمبادرات "التشريعية" لهياكل الحركة الرياضية العالمية : تبادر هياكل الحركة الرياضية العالمية بإصدار "نصوص " تكون بمثابة الدساتير في تنظيم وعمل أعضاء الهيكل الواحد، والتي يتجاوز تأثيرها الحدود الداخلية للهيكل ليمتد إلى الدول والحكومات التي تتولى إستيعاب هذه النصوص عبر مختلف الآليات التشريعية المتاحة. من بين هذه النصوص المؤثرة في عمل الهياكل الرياضية بصنفيها الدولي والوطني يمكن الإشارة إلى :
الإتفاقيات الدولية إتفاقية مكافحة المنشطات و بروتوكولها التكميلي المعتمدين من قبل مجلس أوروبا التي صادقت عليها الجمهورية التونسية بمقتضى القانون عدد 52 لسنة 2003 المؤرخ في 29 جويلية 2003 . الإتفاقية الدولية لمكافحة المنشطات في مجال الرياضة المعتمدة من قبل اليونسكو ( باريس/ نوفمبر 2005 ) التي وافت عليها الجمهورية التونسية بمقتضى القانون عدد 61 لسنة 2006 المؤرخ في 28 أكتوبر 2006. و تعتبر هذه الإتفاقيات وسيلة أمام الدول والحكومات لإستيعاب أحكام و مبادئ المدونة العالمية لمكافحة المنشطات المعتمدة من قبل الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات ( كوبنهاغ/ مارس 2003 ) صلب أنظمتها التشريعية.
الميثاق الأولمبي la charte olympique : يعتبر هذا الميثاق الوثيقة المرجعية في عمل أطراف الحركة الأولمبية من حيث الإقرار بجملة الأهداف السامية للرياضة إضافة إلى تحديد مهام اللجان الوطنية الأولمبية وأهدافها وطرق تسييرها . وقد تم تحيين هذه الوثيقة سنة 2004 ودعوة مختلف اللجان الوطنية الأولمبية للعمل به ، وعلى ضوئه تم الإنتقال بالنظام القانوني للجنة الوطنية الأولمبية و تم إدراجها ضمن قائمة الهياكل الرياضية بمقتضى القانون الأساسي عدد 49 لسنة 2006 المؤرخ في 27 جويلية 2006 المنقح والمتمم للقانون الأساسي عدد 11 لسنة 1995.
مبادرات المنظمات الدولية الحكومية مبادرات المنظمات الدولية الحكومية أثبت تطور الرياضة ممارسة وتنظيما ضرورة المتابعة و التأهيل الدائم لهياكل الإشراف و التسيير في الشأن الرياضي في نطاق تعاون مثمر بين الحكومات والجامعات الرياضية الوطنية والدولية ، وهو ما دفع إلى بعض المبادرات في الشأن نخص بالذكر منها : قرار الجمعية العمومية لمنظمة الأمم المتحدة المؤرخ في 3 نوفمبر 2003- بمبادرة من تونس - ، الداعي إلى إعتبار الرياضة وسيلة لتعزيز التعليم والصحة والتنمية والسلم . المؤتمرات الدولية للوزراء وكبار المسؤولين التي نظمتها منظمة اليونسكو ( موسكو 1988 و بونتا ديل إيستي : 1999 و أثينا :2004 ) التي تؤكد على الأبعاد التربوية للرياضة وأهمية التربية البدنية في تكوين الفرد إضافة إلى ما تضمنته من توصيات تتعلق بمكافحة المنشطات. ميثاق العلاقات الحسنة بين الدول والجامعات الرياضية الوطنية والدولية المعتمد بباريس في 7 أفريل 2005 من قبل منظمة " الكنفجاس". إعلان أبيدجان في إطار ندوة وزراء الشباب والرياضة للدول الناطقة بالفرنسية بتاريخ 25 و26 مارس 2002.