La présentation est en train de télécharger. S'il vous plaît, attendez

La présentation est en train de télécharger. S'il vous plaît, attendez

الجرائم الاقتصادية الدكتور / ممدوح عبد الحميد عبد المطلب

Présentations similaires


Présentation au sujet: "الجرائم الاقتصادية الدكتور / ممدوح عبد الحميد عبد المطلب"— Transcription de la présentation:

1 الجرائم الاقتصادية الدكتور / ممدوح عبد الحميد عبد المطلب
أستاذ العلوم الشرطية والقانون الخبير بمركز بحوث شرطة الشارقة

2 أولا : الجريمة والظروف الاقتصادية
الجريمة – بصفة عامة – هي كل سلوك إنساني ، فعلا كان أو امتناعاً ، يتضمن خرقاً لقيم ومصالح اجتماعية يقدر المشرع جدارتها بالحماية الجنائية ، فيقرر له جزاءاً جنائيا والجريمة بهذا المعنى تعتبر مصطلحا قانونيا. ورغم التعدد الملحوظ في النظريات التي قيل بها في مجال تفسير الظاهرة الإجرامية، نجد أن الإجماع ينعقد بين علماء الإجرام على التسليم بوجود صلة بين العوامل (أو الظروف) الاقتصادية العامة أو الخاصة وبين الإجرام . ولما كانـت هذه الظروف تدخل في إطار دراسة علم الاقتصاد وكانت الجريمة تدخل في إطار القانون فيحسن إيضاح العلاقة بين هذيـن الفرعيـن الهاميـن فـي شجرة العلوم الاجتماعية .

3 أولا : العلاقة بين القانون والاقتصاد :
القانون هو الإطار الحاكم والمنظم لكافة الأنشطة الاقتصادية في المجتمع . كما أن القانون يتطور ويتشكل وفقا لتطور الحالة الاقتصادية السائدة في المجتمع ، فهو يعكس المذهب أو الأيديولوجية المطبقة في المجتمع ، فالتنظيم القانوني في دولة رأسمالية ، يختلف عن ذلك التنظيم في دولة اشتراكية. وفي كثير من الأحوال ، نجد أن الجرائم التي يعاقب عليها القانون ترجع إلى أسباب اقتصادية.

4 ويظهر التكامل بين القانون والاقتصاد في أن:
الأول يستهدف تنظيم مجالات النشاط في المجتمع تحقيقا للعدالة . ويهدف الثاني إلى بيان الكيفية التي تدار بها الموارد المتاحة والنادرة تحقيقا لأكبر قدر من إشباع حاجات المجتمع المتنوعة والمتطورة.

5 فالقانون الاقتصادي يعني التشريعات الاقتصادية أو مجموعة النصوص التي تنظم إنتاج وتوزيع واستهلاك وتداول السلع والخدمات ، وتنظيم المنافسة وتداول النقد وتأسيس الشركات والملكية الصناعية والتجارة ، أي أن هذا القانون يحمي السياسة الاقتصادية أيا كان نوعها. أما قانون العقوبات الاقتصادي فهو فرع من قانون العقوبات العام ، يحدد الجرائم الاقتصادية – أي ما يعتبر جرائم من مخالفات أحكام النظام الاقتصادي – والعقوبات المقررة لها .

6 ثانيا : التأثير التبادلي بين الإجرام والظروف الاقتصادية :
الظروف الاقتصادية في معناها الأكثر عمومية تشتمل على النظم الاقتصادية المطبقة وتطوراتها من ناحية ، والتطورات الحادثة في المتغيرات الاقتصادية الكلية (أو العامة) والمتغيرات الاقتصادية الخاصة (أو الجزئية) من ناحية أخرى. وفي كل النظم الاقتصادية ، يشكل الإجرام – أيا كان نوعه – عقبة في سبيل تحقيق مزيد من التقدم والتنمية.

7 [1] تطور النظم الاقتصادية ودور الظروف الاقتصادية العامة والخاصة
التحول من النظام الاقتصادي الإقطاعي (الاقتصاد الزراعي) إلى النظام الرأسمالي (الاقتصادي الصناعي) وما ترتب عليه من تقسيم العمل وتجمع أعداد كبيرة في المصانع من العمال ، وهجرة الريفيين إلى المدن سعياً وراء مزيد من الكسب أدى كل ذلك إلى تكدس المدن بقاطنيها ، وعجز المهاجرين من الريف عن التكيف مع المجتمعات الجديدة المعقدة ، ومن ثم فقد انعكس ذلك على ظهور سلوكيات غير سوية في شكل جرائم العنف والسرقة. كما ترتب على أزمة المساكن التي نشأت عن هذا التكدس زيادة في جرائم أخرى كالنصب وهتك العرض والنشل .

8 لما كان التحول من نظام اقتصادي إلى آخر يتحقق عبر فترة زمنية لا يمكن خلالها وضع حد فاصل بين النظام القديم والحديث ، فإنه وحتى بعد اكتمال أسس وملامح النظام الحديث ، فإن بعض ملامح النظام القديم تظل باقية. ويرجع ذلك إلى أن السياسات والتحولات لا يتم إجراؤها وتعديلها بقرار سياسي ، لأنها تعبر عن نشاط المجتمع ككل ، وعن قدرة الأفراد والوعي بها وممارستها في إطار السياق والحدث الاجتماعي. كما أن إتباع أسلوب القرارات وإصدار القوانين في فترات الانتقال التي تتجسد فيها التناقضات بين القديم والجديد ، يؤدي إلى تشويه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية ، وإلى إفراز أنماط جديدة من الجرائم والفساد. ويعني ذلك أن التغيرات التي تطرأ على خريطة الجريمة الاقتصادية – كظاهرة اجتماعية – تتحدد أنماطها وبواعثها بالسياق والحدث الاجتماعي والإطار الثقافي والقيمي – ما هي إلا حصاد لسياسات وإجراءات اقتصادية (12).

9 جـ- ويؤدي التحول أيضا إلى تغيير ملموس في منظومة القيم السائدة والحاكمة للسلوك فمع الانتقال من النظام الاقتصادي الموجه إلى النظام الاقتصادي الحر – وخصوصاً في الدول النامية – تتراجع قيم العمل المنتج أمام قيم الكسب السريع ، كما تتراجع قيم العلم والثقافة أمام دوافع الربح والثروة . كما يتضح تأثير تحول النظام الاقتصادي أيضا في إحداث تعديلات هامة في السياسة التشريعية المتعلقة بظاهرة التجريم ، حيث تصبح بعض الأفعال المجرمة في ظل نظام اقتصادي معين أفعالاً مباحة في ظل نظام اقتصادي آخر (13).

10 د- أدى التحول إلى الاقتصاد النقدي مع زيادة حجم التبادل الاقتصادي وظهور المشروعات الكبرى إلى نشأة جرائم إساءة استغلال الثقة مثل : خيانة الأمانة والاعتداء على الأموال العامة ، وانتهاك قواعد ضمان حرية المنافسة ، جرائم التزوير ، وجرائم النصب على شركات التأمين ومؤسسات الائتمان ، وجرائم تهريب العملة وتزييفها ، وجرائم الغش التجاري للمنتجات ، وجرائم تحرير الشيكات بدون رصيد .. الخ. وإذا كان ارتفاع مستوى المعيشة يعتبر أحد النتائج الهامة للتطور الاقتصادي في الدول المتقدمة صناعياً والدول الغنية ، فإن أثره قد تمثل في انخفاض نسبة بعض أنواع الجرائم وارتفاع هذه النسبة للبعض الآخر منها. ومن الجرائم التي انخفضت نسبتها نتيجة التجسس في مستوى المعيشة : جرائم الاعتداء على الأشخاص (كالقتل والمساس بسلامة الجسم) ، أما الجرائم التي ارتفعت نسبتها فقد تمثلت في الجرائم الأخلاقية (كالاعتداء على الأعراض وتعاطي المسكرات والاتجار في المخدرات) (14).

11 هـ- وفيما يتعلق بتأثير المتغيرات الاقتصادية الكلية على ظاهرة الإجرام نشير إلى نوعين من التقلبات الاقتصادية لهما أثرهما الهام في هذا المجال هما " التضخم " من ناحية " والانكماش أو الكساد من ناحية أخرى" : فالتضخم (أي الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار) يرتب انخفاض القوة الشرائية للنقود وتدهور معدلات الإدخال المحلي والاستثمار الإنتاجي وتدهور مستوى المعيشة وكذلك مستوى العدالة في توزيع الدخل القومي وإضعاف الحافز الإنتاجي ، ويرتبط كل ذلك بتعميق ظاهرة الاقتصاد الخفي حيث تتزايد الأنشطة غير المشروعة (15) مثل : تجارة المخدرات ، والاتجار غير المشروع في النقد والسلع ، ووجود السوق السوداء والتهرب الضريبي .. الخ. أما الكساد والذي يتمثل في التناقض القائم بين زيادة العرض للمنتجات ونقص الطلب عليها بسبب انخفاض الدخول أو نقص السيولة ، فإنه يؤدي إلى انخفاض الإنتاج وتناقص الأرباح وارتفاع معدلات البطالة (خلال الفترة 1945 – 1973 والتي عانى خلالها المجتمع الأمريكي – مثلا – منها ارتفعـت معـدلات جرائم السرقة من المحلات التجارية ، بحيث وصل معدل السرقة فـي عـام 1958 إلى ما قيمته 250 مليون دولار من البضائع سنويا) (16).

12 و – وفيما يتعلق بالظروف – أي العوامل – الاقتصادية الخاصة ، فإن من أهمها على وجه الإطلاق : ظاهرة الفقر. وهذه الظاهرة لها طبيعة اقتصادية واجتماعية تنتج آثاراً نفسية غالباً ما تدفع الفقير إلى الانحراف بسلوكه نحو ارتكاب الجرائم المالية والاقتصادية بغية إشباع حاجاته ، وللتغلب على عجز موارده المتاحة. ومن الناحية الاقتصادية يتمثل الفقراء في تلك الطبقة الاجتماعية التي لا تحصل إلا على مداخيل مادية ضعيفة تجعلها تحتل في كل مجتمع أسفل السلم في التراتب الاجتماعي (17). وفي هذا المجال ، وبالرغم من صعوبة المقارنة بين الأقطار المختلفة ، يمكن الإشارة إلى أن نسبة السرقات من جملة جنوح الأحداث في كل من العراق وتونس قد تراوحت بين 60% و 80% في حين أن هذه النسبة في بلد مثل كندا – وحيث تقل نسبة الفقراء لا تتجاوز 15% (18) . وغالبا ما تؤدي البطالة إلى الفقر ، والذي يدفع بدوره إلى ارتكاب الجرائم. وقد أجريت دراسة إحصائية في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1976 ، شملت الفترة من 1940 إلى 1973 بهدف إيضاح مدى تأثير البطالة على حجم الجريمة ، تبين منها أن ارتفاع معدل البطالة بنسبة 1% قد اقترن بزيادة معـدل الانتحار بنسبة 4.1% ، وارتفاع نسبة المحكوم عليهم بعقوبـات سالبـة للجريمـة بمعـدل 4% وزيادة جرائم القتل بنسبة 5.7% (19).

13 [2] وفيما يتعلق بالآثار الاقتصادية المترتبة على الإجرام بصفة عامة والجرائم الاقتصادية بصفة خاصة ، يمكن الإشارة إلى ما يلي : أ- تؤدي الجرائم الواقعة على الأشخاص (القتل العمدي أو القتل الخطأ (20) ، الجرح ، الإصابة الخطأ ، السرقة ، الاغتصاب .. الخ) إلى إهدار الإنتاجية كلياً أو جزئيا ، ضياع عائد العمل المنتج ، إهدار قيمة الإنسان. وفي جرائم الاغتصاب يمكن أن تسود فوضى اختلاط الأنساب. وتفكك الأسر ، بالإضافة إلى انتشار الأمراض الخبيثة وما تستلزمه من تكاليف باهظة للعلاج.

14 ب- تؤدي الجرائم الاقتصادية المتنوعة إلى إضعاف الإيرادات العامة وبالتالي زيادة العجز في الموازنة العامة للدولة من ناحية ، وإلى تدهور قيمة العملة الوطنية من ناحية أخرى. ومن الجرائم المحدثة للأثر الأول : التهرب الضريبي (21) والتهرب الجمركي واختلاس المال العام ، ومن الجرائم المحدثة للأثر الثاني : تهريب النقد وتزييفه والكسب غير المشروع.

15 ج- بالنسبة لجرائم الاعتداء على الأموال أو الممتلكات الخاصة ، يلاحظ أن الآثار الاقتصادية السلبية المترتبة عليها لا تتوقف فقط على الخسائر التي يصاب بها المجني عليهم فيها ، ولكنها تعني أيضا خسارة المجتمع ككل لجزء من أصوله ورأس ماله الإنتاجي في صورتيه : الثابت والمتداول ، وذلك يعني أيضا تناقص القدرة الإنتاجية للفرد والمجتمع.

16 د – تؤدي جرائم التهريب إلى آثار اقتصادية واجتماعية بالغة الخطورة ، فمن الآثار الاقتصادية : يمثل التهريب منافسة غير مشروعة لصادرات الدولة إلى الخارج ، كما يؤثر التهريب في المقدرة على التحكم في سياسة الاستيراد والتصدير. ومن الآثار الاجتماعية : إفساد الشباب بإدخال الأفلام والصور الفاضحة والمجلات الإباحية عن طريق التهريب ، تهريب الواردات الصناعية يؤدي إلى كساد الصناعات الوطنية ومن ثم تزيد معدلات البطالة بكل شرورها على المجتمع ، كما تدخل السلع الفاسدة والملوثة بما تحمله من أمراض خطيرة تفتك بالمجتمع (22).

17 هـ- تعتبر مشكلة المخدرات قنبلة موقوتة تهدد حضارات العالم كله قبل أن تنفجر ، لقد دمر التعاطي فعلا آلافا في كل الدول ، كما استنزف الطاقة الإنتاجية للمجتمع إضافة إلى إضعاف القدرة التمويلية لخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وفي مصر مثلا – أشارت إحدى الدراسات عن تأثير تعاطي الحشيش إلى أن المتعاطين لهذا المخدر في اليوم التالي للتعاطي – وفي حالة الاحتياج الشديد له – تزداد نسبة ذوي الإنتاج القليل منهم إلى 70% ، بينما تهبط نسبة ذوي الإنتاج الكثير من 32% إلى 4% فقط (23). وفي مصر أيضا ارتفع عدد قضايا المخدرات من 4ر5 ألف قضية عام 1982 إلى 13.8 ألف عام 1995 ، بمعدل سنوي في المتوسط قدره 6.9% (24).

18 و – الظواهر الإجرامية المستحدثة تعددت أنماطها بحيث أصبح من العسير السيطرة الكاملة على عددها ونوعها أو حجمها ، ومن هذه الظواهر : تزوير بطاقات الائتمان والاحتيال الإلكتروني على الأموال. الأبعاد الحديثة لظاهرة الإرهاب. الشكل الحديث للتعامل وترويج المخدرات وخصوصاً المخدرات الصناعية والمخلقة. جرائم الحاسب الآلي وشبكة الانترنيت. الجريمة المنظمة وأسلحتها التقنية الحديثة ومخاطرها الإقليمية والعالمية. الجرائم الاقتصادية المستحدثة. جرائم تلوث البيئة وعلاقتها بالتصنيع. المتاجرة غير المشروعة في أسلحة الدمار الشامل (كالمواد المشعة والنووية). استغلال النساء والأطفال والمتاجرة بهم أو استغلالهم في البغاء. الاحتيال في الملكية الفكرية. تهريب المهاجرين غير الشرعيين من البلدان الفقيرة إلى البلدان الأكثر ثراء. سرقة السيارات وتغيير معالمها وتهريبها دوليا. غسيل الأموال الناتجة عن الجرائم. المتاجرة في التحف الفنية والآثار ، والغش التجاري المعتمد على التقنية الحديثة. اختطاف رجال الأعمال والابتزاز والكسب غير المشروع من توفير الحماية. القرصنة في البرامج الكمبيوترية والأقراص المدمجة. وقد قدر صندوق النقد الدولي أن حوالي 500 بليون دولار تتداولها الأيدي في عالم الإجرام من مكاسب غير مشروعة (25).

19 ثالثا : لمحة عن تطور التجريم الاقتصادي :
المفهوم الشائع للجريمة الاقتصادية يتمثل في أنها جريمة ترتكب ضد المال (26) ومن ثم فإن تجريمها تحقق في مرحلة تالية بعد الجرائم الأخرى الواقعة على الأشخاص.

20 ولذلك يمكن القول إن فكرة قانون العقوبات الاقتصادية قد بدأ ظهورها مع الحرب العالمية الأولى (1914 – 1919). وبعد قيام الحرب العالمية الثانية 1939م ، والتي تأثرت بها معظم دول العالم حتى المحايدة منها ، اضطر كثيراً منها إلى سن تشريعات اقتصادية أبرزها ما يتعلق بالرقابة على النقد والتجارة الخارجية والحد من ارتفاع الأسعار وتوزيع مواد الإنتاج والسلع الاستهلاكية بالبطاقات. ولم يصبح التأميم مقصوراً على الدول الشيوعية بل تعداه إلى دول تدين بالحرية الاقتصادية كفرنسا وإنجلترا. وهكذا بدأ قانون العقوبات الاقتصادي يزدهر منذ ذلك الوقت وكان ازدهاره مرتبطاً بالتحولات في النظم الاقتصادية والأزمات التي صاحبت هذه التحولات.

21 - من الأهمية بمكان أن نحدد مجال قانون العقوبات الاقتصادي (باعتباره القانون الذي يحدد الجرائم الاقتصادية والعقوبات المقررة لها) حتى لا يحصل الخلط بينه والقوانين الأخرى التي تحمي الملكية الفردية أو القوانين الضريبية أو المالية وغيرها. فنصوص السرقة والنصب والتبديد وإتلاف المنقولات التي ينص عليها قانون العقوبات لا تدخل في قانون العقوبات الاقتصـادي ، لأن الجرائم الاقتصادية تمثل اعتداء على السياسة الاقتصادية ، بينما السرقة وما إليها تمثل اعتداء على ملكية الأفراد (30).

22 نحو مفهوم معاصر للجريمة الاقتصادية
ورغم وجود النصوص القانونية المتعلقة بالجرائم الاقتصادية في التشريعات المعاصرة لمعظم الدول (سواء في شكل مستقل فيما يسمى بقانون العقوبات الاقتصادي كفرع من فروع قانون العقوبات العام أو في صورة مجموعة من النصوص في فصل مستقل داخل هذا القانون الأخير). فإن تعريفاً للجريمة الاقتصادية يتفق عليه الجميع لم يوجد حتى الآن لصعوبات متعددة تتعلق بهذا النوع من الجرائم. وتزيد حدة هذه الصعوبات إذا أضيفت الجرائم الاقتصادية التقليدية والتي تشملها التشريعات المطبقة فعلا. فهل يمكن التوصل إلى مفهوم معاصر لهذه الجريمة بحيث يمكنه تغطية نوعي الجرائم الاقتصادية (التقليدية والمستحدثة) ويتسع أيضا ليشمل ما يستحدث من جرائم اقتصادية في المستقبل؟ وهل يمكن لهذا المفهوم المقترح أن يتسم أيضا بالدقة والشمول والموضوعية والحياد ، وأن يصاغ – رغم ذلك – في أقل العبارات حجماً وأوضحها معنى؟!

23 إن محاولتنا – في المبحث الحالي – للإجابة عن هذا التساؤل – تستلزم منا أن نشير أولا إلى مفهوم كلمة " الاقتصادية " كوصف للجريمة محل البحث ، وأن نوضح ثانيا الأسباب التي تشكل صعوبة في سبيل التوصل إلى مفهوم ثابت ومتفق عليه لهذه الجريمة وأن نبين ثالثا التعريفات المتعددة (المضيقة أو القانونية ، والموسعة أو الاقتصادية والاجتماعية) للجريمة الاقتصادية ، ثم نشير أخيراً إلى التعريف أو المفهوم المقترح لها.

24 أولا : ماهية صفة (الاقتصادية ، كوصف للجريمة) :
إن فهم معنى الصفة الاقتصادية لشيء ما ، يستلزم الرجوع إلى علم الاقتصاد وكتابه ، كما رجعنا حالا إلى رجال القانون في فهم معنى كلمة جريمة. وهنا يلاحظ أن علم الاقتصاد – وأيا كانت الاختلافات الشكلية المتعددة في مفهومه ، نجده – موضوعيا ، واتفاق الكتاب – علم اجتماعي يدرس ما هو مشاهد في الحياة الواقعية من ندرة نسبية في الموارد القابلة لإشباع الحاجات المتعددة للمجتمع ، وطرق استخدام تلك الموارد المحدودة على أفضل نحو مستطاع من أجل إشباع هذه الحاجات ، وما ينشأ عن ذلك من علاقات متعددة متعلقة بالانتاج والتوزيع والإدخال والاستهلاك والملكية (33) … الخ. وفي كلمات موجزة ، هو العلم الذي يدرس كيفية إدارة الموارد النادرة في المجتمع البشري (34). ولما كان الموضوع الرئيسي لهذا العلم يتمثل

25 في دراسته للمشكلة الاقتصادية ، وكانت هذه المشكلة – وكما هو واضح من التعريفات سالفة الذكر لعلم الاقتصاد – تتمثل في كيفية تحقيق التوازن بين إشباع الحاجات المتعددة من ناحية ، والموارد النادرة المتاحة (أي الموارد الاقتصادية) من ناحية أخرى ، فإن الدراسة في هذا العلم تتركز حول كيفية استخدام الموارد الاقتصادية في تحقيق هذا الإشباع ، والمورد النادر نسبيا (أي بالنسبة للحاجات الكثيرة) هو المورد الاقتصادي. ولا يكتسب المورد هذه الصفقة إلا إذا توافرت قيمة خصائص معينة من أهمها (35) : الندرة النسبية والتي تعني أن الحصول عليه من أجل الإشباع للحاجات (سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) لا يتم أو يتحقق إلا بعد دفع ثمن معين أو بذل جهد بدني أو ذهني أو هما معا.

26 يترتب على ذلك أن الشيء يكون اقتصاديا إذا توافرت فيه شروط أو خصائص الموارد الاقتصادية حيث أن هذه الموارد هي التي يهتم علم الاقتصاد بدراستها ، على خلاف الموارد الحرة مثل : الهواء الطلق ، أشعة الشمس ، مياه البحار والمحيطات ، ومياه الأمطار ، والرمال في الصحراء .. الخ والتي لا تعتبر بحالتها الطبيعية محلا للدراسة في هذا العلم. وعلى ما تقدم يمكن القول إن الجريمة الاقتصادية تعني الاعتداء على الموارد الاقتصادية المتاحة في المجتمع. ويلاحظ أن الموارد الاقتصادية منها ما هو مصنوع ومنها ما هو طبيعي ، ومثال الأولى : رؤوس الأموال الثابتة والجارية والمالية (النقدية) والمباني والمنشآت والمصانع .. الخ ومثال الثانية : الأراضي الزراعية وما تحت الأرض من ثروات طبيعية والغابات ومصايد الأسماك. وفيما يتعلق بالموارد الطبيعية الحرة (غير الاقتصادية) مثل الهواء والماء … الخ. فإن الاعتداء عليها بالتلويث مثلا يشكل ما يسمى بالجريمة البيئية.

27 أما الموارد البشرية (السكان أو البشر) فإن الاعتداء الواقع عليها مباشرة أو على ما تحوزه من أموال ، يشكل مجموعة الجرائم على الأشخاص أو الأموال ويجمعها معاُ قانون العقوبات. وهكذا يمكن حصر ما يقع تحت عنوان الجرائم الاقتصادية في كافة أنواع الاعتداء الواقعة على الموارد الاقتصادية (بالمعنى سالف الذكر) وسواء كانت هذه الموارد داخلة في حيازة أشخاص القانون العام أو الخاص ، وسواء جاء النص على تجريمها في إطار قانون العقوبات الاقتصادي أو في إطار قانون العقوبات العام أو في التشريعات الجنائية الخاصة.

28 ثانيا : أسباب صعوبة التوصل إلى مفهوم محدد للجريمة الاقتصادية :
يمكن إرجاع هذه الصعوبة إلى ما يلي : التجريم الاقتصادي يرتبط مجاله – من حيث الاتساع أو التضييق ، ومن حيث تحديد ما يعد جريمة اقتصادية – بالنظام الاقتصادي المطبق ، وهذا النظام يمكن تحقيق أهدافه من خلال " السياسة الاقتصادية " وهذه السياسة تختلف من نظام اقتصادي إلى نظام اقتصادي آخر ، ومن ثم فإن ما يعتبر جريمة اقتصادية في إطار سياسة اقتصادية معينة قد لا يعتبر كذلك في ظل سياسة اقتصادية أخرى. وفي ظل هذا التغير المستمر في السياسات الاقتصادية (داخل المجتمع الواحد ، أو في المجتمعات المختلفة) يصعب التوصل إلى مفهوم ثابت ومحدد للجريمة الاقتصادية ، كما أن الانتقال المتواصل من مفهوم معين إلى مفهوم آخر للجريمة الاقتصادية يتعارض مع مفاهيم القانون الجنائي التي تستلزم قدراً من الوضوح والدقة والتحديد والاستقرار.

29 في عدد غير قليل من التشريعات في العالم ، لا تعد كل مخالفات السياسة الاقتصادية جرائم جزائية بصورة دائمة ، ومن ثم لا تدخل في إطار قانون العقوبات الاقتصادي ، باعتبار أن بعضها من طبيعة مدنية أو إدارية ، ومن ثم يكون العقاب عليها متمثلا في تعويض الضرر المتحقق عنها أو في عقوبات أخرى ذات طبيعة مدنية أو إدارية (36).

30 تضع صفة " الاقتصادية " قيداً وصفياً للجريمة الاقتصادية ، ويؤدي هذا القيد إلى تغليب المفهوم الاقتصادي الاجتماعي لهذه الجريمة من ناحية ، أو تغليب المفهوم القانوني من ناحية أخرى وهكذا تتعدد المفاهيم المعطاة لهذه الجريمة.

31 من المتفق عليه أن الجريمة الاقتصادية ذات طبيعة تميزها عن الجرائم العاديـة من وجوه متعددة (محل الاعتداء ، طبيعة العقوبة ، درجة الخطورة ، طبيعة الضرر ، إجراءات الإثبات .. الخ) ، وهذا الاختلاف يشكل صعوبة في تحديد مفهوم للجريمة الاقتصادية يتميز عن المفهوم التقليدي للجريمة العادية (37).

32 الجرائم الاقتصادية المستحدثة والتي جاءت مصاحبة للتطور المعاصر في نظم المعلومات والاتصالات ، أصبحت تشكل صعوبة في وضع تعريف يشتمل على هذه الجرائم. لقد تحولت – مثلا جرائم الحاسب الآلي (الجرائم في مجال نظم المعلومات) من مجرد انتهاكات فردية لأمن النظم والمعلومات إلى ظاهرة تقنية عامة ينخرط فيها الكثير ممن تتوافر لديهم المهارة والمعرفة في مجال الحاسبات (38). وأمام هذا الشكل الجديد للإجرام ، لا يبدو قانون العقوبات – في حالته الراهنة – كافيا أو فعالاً بالدرجة المطلوبة والمرضية ، فنصوصه والنظريات والمبادئ القانونية التـي يتضمنها أو تقف من ورائه ، موروث بعضها من القرن التاسع عشر ، حيث لم يكن ثمة فنيون وقتذاك ، وإنما أصحاب مهن وحرفيون. وتطبيق بعضها على الأشكال الجديدة للجرائم التي تستعير من تقنيات الحاسب الآلي والمعلومات أساليبها لا يصطدم – فحسب – بصعوبات ناجمة عن الطبيعة الخاصة والخصائص التقنية الفريدة للوسائل المعلوماتية المستخدمة في ارتكابها والتي تتبدى فيما نشهده مع المعلوماتية – وفقا لرأي بعـض الفقه – من تفريغ وسلب لمادية decmaterialisation السلوك ، وإنما تعترضه كذلك صعوبات رئيسية أخرى مردها أن نصوص التجريم التقليدية قد وضعت في ظل تفكير يقتصر إدراكه على الثروة الملموسة والمستندات ذات الطبيعة المادية مما يتعذر معه تطبيقها لحماية القيمة غير المادية المتولدة عن المعلوماتية (39).

33 ثالثا : بعض المفاهيم القانونية والاقتصادية للجريمة الاقتصادية :
ويلاحظ من جملة التعريفات التي ذكرت أن جانباً منها يميل إلى حصر المفهوم في الإطار القانوني ، والجانب الآخر يتجه إلى توسيع التعريف ليشمل الجانبين الاقتصادي والاجتماعي معاً إضافة إلى الجانب القانوني :

34 1- المفهوم القانوني للجريمة الاقتصادية :
يلاحظ أن القائلين بهذا المفهوم ، يركزون في تعريفهم للجريمة الاقتصادية ، على " مبدأ الشرعية " أو " مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات " والذي يقضي بأنه " لا جريمة ولا عقوبة إلا بقانون ". وهو مبدأ تحرص الدساتير على تأكيده حماية للفرد والمجتمع. ومن ثم يجب ألا يعاقب شخص على جريمة اقتصادية إلا إذا ورد النص عليها وعلى عقوبتها في القانون. وسواء كان هذا القانون متمثلا في : قانون خاص يجمع الجرائم الاقتصادية تحت عنوان " قانون العقوبات الاقتصادي " (41) ، أو إفراد فصل خاص (أو أكثر) للجرائم الاقتصادية في مجموعة قانون العقوبات إظهاراً لأهميتها البالغة ، أو الجمع بين هذين النظامين وذلك بتضمين قانون العقوبات فصلا للجرائم الاقتصادية مع إفراد قانون لبعض هذه الجرائم.

35 ومن المفاهيم القانونية التي ركزت – في تعريفها للجريمة الاقتصادية – على هذا المبدأ نشير إلى ما يأتي :
الجريمة الاقتصادية هي كل فعل أو امتناع يعاقب عليه القانون ، ويخالف السياسة الاقتصادية للدولة (42). وقد جاءت توصيات الحلقة العربية الأولى للدفاع الاجتماعي المنعقدة في القاهرة عام 1966 موضحة أن الجريمة الاقتصادية هي كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للتشريع الاقتصادي إذا نص على تجريمه سواء في قانون العقوبات أو في القوانين الخاصة بخطط التنمية الاقتصادية.

36 الجريمة الاقتصادية هي مباشرة نشاط معين سواء تمثل في تصرف اقتصادي أو سلوك مادي بالمخالفة للتنظيمات والأحكام القانونية الصادرة كوسيلة لتحقيق سياسة الدولة (43) ويتعلق هذا التعريف بحماية ما يسمى بفكرة النظام العام الاقتصادي.

37 جـ- الجريمة الاقتصادية هي مجموعة الجرائم التي تمثل اعتداء مجرماً على السياسة الاقتصادية والتي تتمثل في القانون الاقتصادي للدولة وهو مجموعة النصوص التي تحمي بها سياساتها الاقتصادية (44).

38 د – الجريمة الاقتصادية هي الجريمة التي تمثل عدواناً على قواعد النظام العام الاقتصادي والتي لها صلة وثيقة بالسياسة الاقتصادية للدولة. أو هي كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للتشريع الاقتصادي ، إذا نص على تجريمه سواء في قانون العقوبات أو في القوانين الخاصة بمخطط التنمية الاقتصادية والصادر من السلطة المختصة. ولا يجوز أن يكون محل جزاء غير ما نـص القانون على المجازاة عنه وحظره. وكذلك فإن هذه الجريمة هي فعل يتعارض مع قواعد القانون الاقتصادي الذي يحمل مصالح اقتصادية معينة (45).

39 وعلى هذه المفاهيم القانونية للجريمة الاقتصادية يمكن إبداء الملاحظات الآتية :
هذه المفاهيم تجعل من النص القانوني الذي يجرم الفعل أو الامتناع ويضع العقاب له مع عدم وجود سبب تبرير يبيحه ، تجعل منه ركنا رئيسيا من أركان الجريمة إضافة إلى الركنين المادي والمعنوي. والواقع أن جانبا كبيرا من الفقه الجنائي لا يقبل ذلك لسببين (46) احدهما منطقي والآخر عملي وتعليمي : فمن الناحية المنطقية ، يعتبر النص على الجريمة في القانون هو الذي يخلقها ، ومن ثم فليس من الصواب أن يقال أن الخالق جزء أو ركن فيما يخلقه. يضاف إلى ذلك أن اعتبار الركن القانوني جزءاً في الجريمة سيترتب عليه استلزام إحاطة قصد الجاني بهذا الركن شأنه في ذلك شأن الركن المادي (أي معرفته بأن هناك نصاً يجرم الفعل بحيث لو ثبت جهل الجاني بوجود هذا النص لانتفى القصد ولا يؤثر على قيام الجريمة. ومن الناحية العملية والتعليمية ، فإن استبعاد الركن القانوني من مجال الأركان المكونة للجريمة يتيح دراسة النص الجزائي ضمن مصادر قانـون العقوبات ، وعند الكلام عن خصوصيته حفاظا على وحدة الموضوع ، كما يتوافق مع مقتضيات المنطق إذ القانون أسبق من الجريمة لأنه هو الذي يحدد الأنموذج القانوني لها. وبالنسبة لإيجاد محل لدراسة أسباب التبرير ، فإن هذا الأمر موضوعه المسؤولية الجزائية التي تنجم عن الجريمة ، وهو يأتي في مرحلة لاحقة عليها وليس ضمنها وداخل ركن من أركانها.

40 لم توضح المفاهيم القانونية – سالفة الذكر – محل الاعتداء ، وعلى نحو واضح فقد أشارت معظمها إلى أن هذا المحل يتمثل في السياسة الاقتصادية أو النظام الاقتصادي. ولكن السياسة الاقتصادية مصطلح واسع المعنى وكذلك مفهوم النظام الاقتصادي ، فالأول يعني جملة الإجراءات التي تسعى بها السلطات العامة إلى تحقيق أهداف معينة ، والثاني يعني الكيفية التي تعالج بها الدولة المشكلة الاقتصادية في المجتمع بصفة عامة. فهل يعني ذلك أن محل الاعتداء يتمثل في مجرد إجراءات أو كيفية حل المشكلة الاقتصادية؟ بالطبع لا ، لأن من مقتضيات المفهوم العلمي مراعاة الدقة والوضوح والبعد عن الغموض واللبس ، وخصوصا في المجال الجنائي. ومن ناحية أخرى ، فإن كافة المفاهيم السابقة لم تشر إلى عنصر الضرر كنتيجة للسلوك محل التجريم.

41 2- المفهوم الاجتماعي والاقتصادي للجريمة الاقتصادية :
الجريمة الاقتصادية هي التي تتم بدوافع اقتصادية ، ومن ثم فهي تمتد بصورة واسعة عبر مجال الجريمة من جرائم السرقات إلى جرائم العنف. والجرائم الوحيدة المستثناة من هذا التعريف هي الجرائم التي تحركها دوافع سوداء لا يرجى منها مكسب اقتصادي (48).

42 الجريمة الاقتصادية هي كل عمل أو امتناع يقع بالمخالفة للقواعد المقررة لتنظيم أو حماية السياسة الاقتصادية للدولة إذا نص على تجريمه في هذا القانون أو في القوانين الخاصة (49).

43 جـ- الجريمة الاقتصادية هي السلوك الذي يحظره القانون لإخلاله بالتوزيع العادل للثروة بين الأفراد ومقتضيات إسعاد أكبر عدد منهم ، مهما كان مظهره (أي مظهر هذا السلوك) وأيا كان موضوعه المادي (أي محل الاعتداء) (50).

44 د – الجريمة الاقتصادية هي التي تلحق ضرراً – مباشراً أو غير مباشر – أو تهدد مصالح الاقتصاد الوطني أو النظام الاقتصادي ذاته ، والتي يتضمن القانون الجنائي عناصرها (51).

45 ويلاحظ على هذه المفاهيم ما يأتي :
في غالبية هذه المفاهيم (أ. ج. د) وردت الإشارة بوضوح إلى عنصر الضرر ومحل الاعتداء ، ففي المفهوم الأول تمثل الضرر في الخسائر الاقتصادية التي تصيب المجني عليه ، والتي تمثل في ذات الوقت مكاسب اقتصادية لمرتكب الجريمة. وفي المفهوم (ج) تمثل الضرر الناتج عن الجريمة الاقتصادية في الإخلال بالتوزيع العادل للثروة مما يؤثر في رفاهية أفراد المجتمع. وفي المفهوم (د) كان التوسع في مفهوم الضرر حيث لم يقتصر على الضرر المباشر وإنما شمل أيضا الضرر غير المباشر ، وربما قصد بالنوع الأول ما يصيب المجني عليه مباشرة نتيجة الجريمة ، وبالنوع الثاني ما يصيب المجتمع ككل (على نحو غير مباشر) نتيجة ذات الجريمة.

46 رغم الاهتمام الواضع – في هذه المفاهيم – بالإشارة إلى عنصر ومحل الاعتداء ، إلا أنها أيضا لم تغفل العنصر القانوني أو الركن الشرعي ، ومن ثم فإن هذه المفاهيم – مثلها في ذلك مثل المفاهيم القانونية السابقة ، لم تتصور تجريم أي فعل أو أية ظاهرة إجرامية إلا بوجود نص قانوني يتولى هذه المهمة. ويعني ذلك – مثلا – أن الجريمة المعلوماتية إذا كانت موجهة ضد أحد مكونات النظام المعلوماتي (سرقة أجهزة الكمبيوتر أو إتلافها مثلا) تكون الجريمة تقليدية طالما وجد نص قانوني يجرم فعل السرقة أو الإتلاف ، أما إذا كانت المكونات غير المادية للأجهزة (البيانات والبرامج) هي محل الاعتداء بالسرقة أو التزوير أو المحو أو التعطيل ، ففي هذه الحالة الأخيرة (والمكونة لجريمة اقتصادية مستحدثة) ولأنها لم تعالج قانوناً بنص يجرمها – رغم ثبات ضررها – فإنها لا تعد ظاهرة إجرامية ، رغم ما يشهده الواقع المعاصر من حالات اعتداء متعددة يستخدم الحاسب الآلي في ارتكابها (السرقة ، النصب ، خيانة الأمانة ، التزوير .. الخ. وبالطبع فإن الفاعل في هذه الجرائم هو المتلاعب في الحاسب ونظامه ، أما محلها المادي فيختلف بطبيعة الحال بحسب الشيء الذي ينصب عليه سلوك الفاعل والذي يشكل محل الحق أو المصلحة المحمية (52).

47 ورد بالمفهوم الأول (أ) أن الجريمة الاقتصادية هي التي تتم بدوافع اقتصادية. ورغم أهمية طبيعة ودور الدافع في ارتكاب الجريمة الاقتصادية ، إلا أننا لا نقبل أن يكون الدافع هو العنصر الرئيسي في وصف الجريمة بأنها اقتصادية ، وذلك للأسباب الآتية : يدخل الدافع أو الباعث على ارتكاب الجريمة في إطار ما يسمى بالركن المعنوي. ويكاد يكون السائد في القانون المقارن أن المشرع لا يتقيد في الركن المعنوي للجريمة الاقتصادية بنفس الأحكام المقررة في القانون العام. ويعلل ذلك بأن للقوانين الاقتصادية من الأهمية ما يقتضي تطلب منتهى اليقظة في مراعاتها وإغلاق الباب أمام أسباب الخروج عليها ، وإلا تعذر تنفيذ السياسة الاقتصادية. والمستنتج من أحكام كثيرة أن القانون في الجرائم الاقتصادية يسوي بين العمد والإهمال ، فبمجرد وقوع المخالفة تقع الجريمة ، سواء تعمد الفاعل المخالفة أو وقعت بسبب إهماله أو عدم احتياطه. كما يذهب رأي إلى أن الجرائم الاقتصادية هي جرائم مادية بحتة لا يلزم لقيامها سوى وقوع الفعل وتوافر إرادة صاحبه (53).

48 لا يعتد قانون العقوبات الاقتصادي بالبواعث ، لأنه قانون تغلب عليه الصفة الموضوعية ، كما أن البواعث متعلقة بالجانب الشخصي. يصعب إثبات الباعث أو الدافع الاقتصادي (الرغبة في الحصول على مكاسب مادية). كما أن هذا الباعث لا يقتصر وجوده في الجرائم الاقتصادية ، فهو موجود في العديد من الجرائم الواقعة على الأشخاص ، وحتى في هذه الجرائم الأخيرة ، فإن البواعث الدافعة قد تتعدد لذات الفعل المؤدي لذات النتيجة (54).

49 - يحمد لبعض المفاهيم تضمنها لفكرة الضرر كنتيجة مترتبة على السلوك الإجرامي في الجرائم الاقتصادية ، ومع ذلك فلم يشر أي منها لفكرة أخرى أكثر أهمية هي فكرة الخطر. فالغالب في قانون العقوبات العام هو تجريم النتائج الضارة ، وعلى العكس من ذلك تغلب النتائج الخطرة في الجرائم الاقتصادية ، وذلك أن المشرع يتوسل بتجريم الأفعال المتقدمة لمنع وقوع النتائج الضارة ، وهو لا يعاقب عليها بوصف الشروع أو المحاولة ، وإنما بوصفها جرائم تامة قائمة بذاتها. وهكذا كثيرا ما يتدخل المشرع ، على سبيل الوقاية ، بتجريم أفعال تنم عن خطورة ، فيقطع على الجاني السبيل إلى تحقق الضرر ، وهذه السياسة الوقائية هي التي تدعو المشرع إلى تجريم عدم إعلان الأسعار (مثلا) ، فهذا من شأنه أن يقلل فرص البائعين في مخالفة التسعير الجبري ، فضلا عن أنه ييسر مهمة القائمين بمراقبة الأسعار الجارية (55).

50 إن الجرائم الاقتصادية تندرج تحت طائفة جرائم الخطر ، إذ هي فعل أو امتناع يقع على الموارد الاقتصادية ومن ثم فإنه يمثل تهديداً للنظام الاقتصادي ، فإذا ما جرمه المشرع ، فإنه بذلك يمنع من احتمال الأضرار بهذا النظام. فالخطر الذي يميز هذه الجرائم يتعلق باللحظة التي يتم فيها تنفيذ الجريمة ، ففي هذه اللحظة تتكامل أركان الجريمة دون أن يعقبها ضرر بمصلحة يحميها القانون (56).

51 وخلاصة هذه النقطة أن تأمين السياسة الاقتصادية – من خلال حماية الموارد الاقتصادية المتاحة – يقتضي تجريم أفعال قلما يجرمها القانون العام ، كالشروع والمحاولة والأفعال التي تنذر بالخطر أو التي تعوق السلطات عن أداء واجبها في الكشف عن الجرائم أو إثباتها ، وبهذا يتميز قانون العقوبات الاقتصادي (57) عن قانون العقوبات العادي أو العام.

52 رابعا : نحو صياغة لمفهوم معاصر للجريمة الاقتصادية :
والواقع أن المفاهيم سالفة الذكر – ويصرف النظر عن التحفظات التي عرضناها عليها – وإن كان يمكن قبولها فيما يتعلق بالجرائم الاقتصادية التقليدية (58) التي جرى النص على تجريمها فعلا في القوانين العقابية في كافة الدول ، إلا أنه بالنسبة للجرائم الاقتصادية المستحدثة والتي مازالت بعيدية عن نطاق التجريم في الكثير من الدول (مثل : ظاهرة غسيل الأموال القذرة ، الجرائم الحديثة المتعلقة بسياسة الائتمان ، الجرائم في مجال الحاسب الآلي ونظم المعلومات ….. الخ) ، فإن المفاهيم سالفة الذكر تصبح غير قادرة على استيعابها. ذلك لأن معظمها مازال بعيداً عن إطار التجريم القانوني ، رغم ثبات ضررها فعلا ، وفي هذه الحالة يمكن لتساؤل هام أن أن يثار فيما يتعلق باعتبار السلوك المنحرف جريمة اقتصادية : هل وقوع هذا السلوك فعلا وتحقق الأضرار والخسائر نتيجة له. أم الانتظار لأجل – قد يطول أو يقصر – حتى يستحدث نص تشريعي لتجريمه؟!!!

53 وبناء على كل ما تقدم ، يمكن القول أن مفهوماً (معاصراً) ومتكاملاً (يشمل الجانب القانوني والاقتصادي) ، ومراعيا لطبيعة التحولات الاقتصادية (الانتقال من نظام اقتصادي إلى آخر) ، هذا المفهوم للجريمة الاقتصادية (في صورتيها التقليدية والمعاصرة أو المستحدثة) ، يمكن صياغته على النحو التالي : " الجريمة الاقتصادية هي كل سلوك إنساني – فعلا كان أو امتناعا – يرتب خطراً أو إضراراً بمصلحة اقتصادية يحميها القانون. أو يمثل اعتداء على الموارد الاقتصادية المملوكة أو التي يحوزها الأفراد والمؤسسات والدولة بما يرتب عليهم ضرراً مباشراً أو غير مباشر في إطار النظام الاقتصادي المطبق ".

54 يرجع قولنا بهذا المفهوم إلى ما يأتي :
لأنه يجمع بين المفهوم القانوني والاقتصادي للجريمة الاقتصادية ، ذلك أنه يعتبر كل جرائم الأموال – والمنصوص عليها فعلا في التشريعات العقابية – داخلة في إطار الظواهر الإجرامية أو الجرائم الاقتصادية ، كما أنه يسمح للمشرع بتجريم أي سلوك يمثل اعتداءاً على الموارد الاقتصادية أيا كانت طبيعة شخص المالك لها. وخصوصا تلك السلوكيات التي أضحت في الوقت الحاضر تشكل ما يطلق عليه " الجرائم الاقتصادية المستحدثة ".

55 يبرز هذا المفهوم طبيعة وأهم سمات الجرائم الاقتصادية
يبرز هذا المفهوم طبيعة وأهم سمات الجرائم الاقتصادية. وذلك باعتبارها من جرائم الخطر والضرر أيضاً.

56 يسمح هذا المفهوم بإسباغ وصف " الجريمة الاقتصادية " على الأنشطة الاقتصادية الضارة أو السلوك المنحرف من وجهة نظر التنظيم الاقتصادي القائم. ويعتبر ذلك استجابة منطقية لمقتضيات التغيير المستمر في النظم الاقتصادية كظاهرة أساسية تصاحب المجتمعات في تطورها الدائم.

57 يرجع هذا المفهوم صفة الاقتصادية ، كوصف للجريمة محل البحث ، لأمر ثابت وموضوعي هو طبيعة محل الاعتداء والتي يتمثل في الموارد الاقتصادية فالمشرع عادة لا يعرف الجرائم الموصوفة تاركاً ذلك للفقه والقضاء. وعلى الرغم من أهمية عنصر الدافع أو الباعث – كعنصر مكمل للركن المعنوي في الجريمة – إلا أن تعدد الدوافع لذات الفعل من ناحية ، واختلاف معنى الدافع الاقتصادي عن بعض الدوافع الأخرى المحركة للنشاط الاقتصادي في بعض النظم الاقتصادية من ناحية أخرى ، وصعوبة إثبات حقيقة هذا الدافع أو الباعث في الجرائم الاقتصادية من ناحية ثالثة ، كل ذلك يجعلنا نفضل أن يكون مناط الوصف متمثلا في ماهية وطبيعة محل الاعتداء في هذه الجرائم وهو كما ذكرنا " الموارد الاقتصادية ".

58 يسمح هذا المفهوم بشموله لكل صور وأنماط الجرائم الاقتصادية الموجودة حالياً في إطار التشريعات العقابية (العامة أو الاقتصادية) ، وكذلك تلك التي يمكن للتطور أن يسفر عنها في المستقبل. كما أنه يسمح بجعل الجريمة الاقتصادية ذات أبعاد محلية ودولية. فالبعد الدولي يتمثل في وجود الجرائم الاقتصادية التقليدية في كل الدول ، وأما البعد المحلي الخاص فإنه يتمثل في وجود بعض الجرائم الاقتصادية المستحدثة (مثل جريمة تجريف الأراضي الزراعية مثل ، وجريمة الاعتداء على مقومات السياحة) في بعض البلاد دون غيرها.

59 وأخيراً فإن هذا المفهوم المقترح ، يساير الاتجاهات المعاصرة في ظل العولمة. ومن أهم الاتجاهات الحركة النشطة والمتزايدة لانتقال رؤوس الأموال وغيرها من الموارد الاقتصادية بين الدول في ظل تحرير التجارة الدولية ، والتطور المذهل في مجال الاتصالات والمعلومات وما يسمى بالتجارة الإلكترونية ، وما يمكن أن يترتب على كل ذلك من زيادة منتظرة في الجرائم الاقتصادية المستحدثة ، إنه يسمح أيضا باتخاذ تدابير وإجراءات متنوعة لمواجهة الظواهر الإجرامية المستحدثة التي لم تجرم تشريعيا بعد. ومادامت التشريعات القائمة في عمومها تسمح باتخاذ هذه التدابير والإجراءات الوقائية ، فإن مواجهة الضرر بها أفضل من ترك الأضرار تتفاقم وخسائر الموارد الاقتصادية تتزايد إلى أن تصدر النصوص القانونية المجرمة لهذه الظواهر

60 الجرائم الاقتصادية الواقعة على الدول النامية
إن الجرائم الاقتصادية التي تتعرض لها الدول النامية تنقسم إلى نوعين: أولهما: الجرائم التي يوجد لها نصوص وعقوبات في القوانين والمعاهدات الدولية والالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية. إلا أن الواقع العملي يشهد أن تطبيق هذه النصوص والعقوبات يعد في معظم الأحوال أمرا بعيد المنال ، وهو ما يمكن أن يكون نتيجة لأسباب عديدة من أهمها أن الدول النامية قد لا تملك وسائل إثبات الجرائم التي تقع عليها لضعف إمكانياتها التقنية أو العلمية.

61 وثانيهما: الجرائم التي تتعرض لها الدول النامية ولا تملك حيالها حولا ولا قوة لعدم وجود نص أو عقوبة لها في المصادر المشار اليها من قوانين دولية أو نصوص معاهدات أو التزامات دولية ، وبذلك يفلت الجناة من العقوبة متسترين بقاعدة (لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص) ، وهو ما يعطي انطباعا خادعا بشرعية كثير من الجرائم الاقتصادية التي لم يرد لها نص قانوني يحرمها أو يحدد عقوبة رادعة لها.

62 إن الوضع الأكثر سوءا في هذا المجال هو أن الدول النامية ذاتها تلعب دورا فاعلا في تعرضها للجرائم الاقتصادية ، بل وتسعى في بعض الأحيان جاهدة لتنفيذ هذه الجرائم على أراضيها وعلى هياكلها الإنتاجية. كما تعتبر نجاحها في إعانة الدول المتقدمة على تنفيذ هذه الجرائم هدفا تسعى لتحقيقه ، كما يحدث في حالة سعي الدول النامية لإعادة جدولة الديون المستحقة عليها مثلا.

63 أولا المستجدات العالمية المعاصرة التي رفعت مستوى الجرائم الاقتصادية الواقعة على الدول النامية
شهدت الفترة المعاصرة عددا من التطورات الهامة التي كان لها دور ملموس في تحديد مسار الجرائم الاقتصادية على الدول النامية ، ومن أهم هذه الظروف والملابسات: تزايد اتساع الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية : على عكس مـا أعلنته الدول المتقدمة عند إقناع الدول النامية بالانضمام للمنظمات العالمية من أن الهدف الأساسـي الذي سترتكز عليه الجهود سيكون رفع المستوى الاقتصادي لدول العالم الثالث لتضييق الفجـوة الاقتصادية بينها وبين الدول المتقدمة فإن الملاحظ على مدى العقود الثلاثة المنصرمة ، أن هـذه الفجوة تتزايد باطراد ، وأنها تتسع باستمرار لتشمل المتغيرات الاقتصادية التالية : مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية نسب البطالة على اختلاف أنواعها ( البطالة الهيكلية والاعتيادية والمقنعة) مستوى الدخل القومي ومتوسط الدخل الفري: في بداية العام الماضي أصبح في العالم 358 مليارديراً يمتلكون ثروة تضاهي ما يملكه أكثر من 40% من سكان العالم. وأصبحت 20% من دول العالم تستحوذ على 85% من الناتج العالمي و84% من التجارة العالمية ويمتلك سكانها 85% من إجمالي المدخرات العالمية. التوازن والعجز في موازين المدفوعات والموازين التجارية. ارتفاع مديونيات الدول النامية سواء كانت هذه الديون للدول المتقدمة أو صناديق الإقراض أو المنظمات الدولية. التفاوت غير المحدود والمتزايد في مستوى التقدم التقني بين الدول المتقدمة والدول النامية. الاستقرار الاقتصادي النسبي في الدول المتقدمة مقارنة بالقلاقل الاقتصادية المتزايدة في الدول النامية. التبعية والاعتماد المتزايد من قبل الدول النامية على الدول الأجنبية.

64 زيادة حدة التدخل الاقتصادي في شؤون الدول النامية :
حيث يزداد هذا التدخل بحكم رقابة الدول الأجنبية أو صناديق التنمية العالمية أو المنظمات الدولية على القروض أو المساعدات التي تمنحها للدول النامية. إذ غالبا ما تكون هذه القروض والهبات مشروطة وموجهة للإنفاق على قطاعات معينة ليست في كل الأحوال هي الأنسب لرفع معدلات التنمية الاقتصادية في الدول النامية. فعلى مدى العقدين الماضيين ، تزايد إشراف صندوق النقد الدولي على البلدان النامية ، إضافة إلى زيادة التشدد في شروط الحصول على القروض التي يقدمها للبلدان التي تواجه أزمات فعلية أو محتملة. وقد أثار هذا هواجس جدية إزاء إضعاف مسؤولية الدول ذات السيادة ، لا سيما بعد أن أثبتت تجارب عدد من الدول المقترضة أن فعالية إشراف الصندوق والسياسات التي يلزم الدول المدينة باتباعها قد أصبحت موضع شك متزايد. ولقد تزايدت هذه الهواجس في أعقاب الأزمة التي حدثت في شرق آسيا عندما أفضت القروض المغإلى فيها التي حصلت عليها تلك الدول المفرطة إلى ردود فعل على صعيد السياسة العامة أدت إلى تفاقم الأزمة. ونتيجة لذلك ، ظهرت دعوات كان من ضمنها تقييم اللجنة النقدية والمالية الدولية ، تنادي بتبسيط وإعادة تركيز الإشراف بما يتوافق مع الاختصاصات الأساسية لصندوق النقد الدولي في مجال إصلاح السياسة الاقتصادية الكلية وغيرها من الإصلاحات ذات الصلة. إلا إن الصعوبات المالية التي ظهرت مؤخراً في تركيا والأرجنتين تدل على عدم تخلي الصندوق عن الممارسة السابقة المتمثلة في ربط أية صفقة قروض يتم التفاوض عليها مع دولة نامية بإلزامها بتنفيذ توصياته وما يراه خبراؤه من أساليب عمل قد لا تكون الأنسب من وجهة نظر الدولة الحاصلة على القرض.

65 تسارع معدلات التقدم التكنولوجي :
لاشك أن التطور التقني المتسارع يعد من أهم سمات العالم المعاصر ، وقد انعكس ذلك على كافة المجالات الاقتصادية. إذ يرى العلماء أن هذا العصر جمع بين ثورتين علميتين: ثورة المتناهي في الصغر: ويقصد بها علوم الحاسب الآلي التي حققت للبشرية تطورا غير مسبوق في كافة المجالات ، وثورة المتناهي في الحجم ويقصد بها علوم الفضاء وتطبيقاتها التي مكنت الإنسان من السيطرة على الفضاء ، بما يعنيه ذلك من سيطرة الدول التي تتقدم في هذين المجالين على الدول التي تتأخر فيهما. وينعكس الوجه السلبي للتقدم التقني على زيادة معدلات الجريمة الاقتصادية وتنوعها وتسهيل حدوثها وتسهيل التهرب منها وإخفاء آثارها. فالتجسس الاقتصادي والتزوير والجرائم المرتبطة بالتعاملات المصرفية لم تكن فيما مضى بالسهولة التي هي عليها الآن. في الوقت نفسه يجب الإقرار بأن التطور التقني يساعد في تسهيل كشفها بالتوصل لأساليب لم تكن متاحة من قبل ، وهي مسألة قد تكون ذات فائدة بالنسبة للدول المتقدمة ، لكن الدول النامية لا تطمح لذلك نظرا لمحدودية إمكانياتها التقنية.

66 زيادة مستوى التشابك الاقتصادي بين دول العالم :
ويزداد هذا التشابك يوما بعد يوم بحكم زيادة حجم التجارة الخارجية بين دول العالم وزيادة الاعتماد الاقتصادي المتبادل بينها. وقد نجم عن ذلك زيادة حدة وسرعة تأثر الدول بالتطورات السلبية التي تحدث في اقتصاد دولة ما أو منطقة ما ، مثال ذلك اتساع دوامة التراجع الاقتصادي التي امتدت لمعظم دول العالم إثر أزمة عملات الدول في شرق آسيا ، وكذلك أزمة البورصات العالمية ثم إثر حادثة الاعتداء على نيويورك ، التي وصلت إلى درجة أن صندوق النقد الدولي أعلن عن تعديل توقعاته الخاصة بنمو اقتصاديات دول الشرق الأوسط في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر الماضي من 4.5% للعام الماضي إلى 3.8%. كما توقع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «اونكتاد» في تقريره عن «الاستثمار العالمي للعام 2001» أن تشهد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر انخفاضا ملموسا بعد النمو الذي شهدته عام 2000. ولا شك أن الدول النامية تعد أكثر المتضررين الذين لا ذنب لهم من الأزمات التي تحدث في الدول المتقدمة ، فعلى سبيل المثال خسر المستثمرون العرب 25 مليار دولار من أموالهم لمستثمرة في الخارج في أكتوبر 1997 ، فيما يطلق عليه يوم الاثنين الأسود حين انخفضت قيمة الأسهم بنحو 23.5%. كما قدرت خسارتهم بسبب انخفاض سعر الدولار بين عامي 1987 – 1988 بأكثر من 100 مليار دولار . والغريب أن مجموع الخسارتين كان يعادل أكثر من خمس الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية ذلك العام.

67 الدور المتزايد للشركات متعددة الجنسيات :
أشار الاقتصادي جوان روبنسون في أحد تقاريره إلى إن الشركات المتعددة الجنسيات تنتج الآن أكثر مما تنتجه 96 دولة نامية مجتمعة بل إن "شركة جنرال موتورز" وحدها تعتبر أغنى من 20 دولة نامية. كما يوضح تقرير الاستثمار العالمي للعام 2001» الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «اونكتاد» أن التوسع العالمي لتدفق الاستثمارات تحركه أكثر من 60 الف شركة عابرة للقارات تضم أكثر من 800 الف فرع لها في الخارج.

68 تأسيس منظمة التجارة العالمية :
يرى كثير من الاقتصاديين أن هذه المنظمة ستكون بمثابة السلطة الاقتصادية العليا في العالم ، لاسيما وأنها الآن تضم ما يقارب ثلاثة أرباع دول العالم ، وأن النسبة الغالبة من أعضائها من الدول النامية. إلا أن ما حدث من تهميش هذه الدول على النحو الذي حدث في اجتماعات سياتل في نهاية عام 1999 واجتماعات الدوحة في نهاية عام 2001 لا يبشر بدور إيجابي لها في تعديل ميزان القوى الذي تميل فيه كفة الدول المتقدمة.

69 زيادة الاتجاه لتكوين التكتلات الاقتصادية :
بدأ هذا التوجه العالمي في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، واكتسب زخما متزايدا خلال العقدين المنصرمين. ومن الجدير بالملاحظة أن الدول المتقدمة تسعى دائما إلى إدماج دول نامية في التكتلات التي تكونها ، حيث تختار منها تلك الدول التي تتوسم فيها مقدرتها على خدمة الاقتصادات المتقدمة سواء كمصدر للمواد الخام أو العمالة الرخيصة أو كسوق تستوعب منتجات الدول المتقدمة.

70 انحسار النظم الاشتراكية والشيوعية :
يعتبر انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه إلى جمهوريات مستقلة عدة ، وتفكك المنظومة الاشتراكية واتجاه معظم دولها إلى اعتناق النظام الرأسمالي ، وما ترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية وسياسية في تلك الدول ، امتد أثرها إلى الدول الأخرى المرتبطة بها اقتصاديا من أهم أحداث القرن الماضي التي سوف تترتب عليها نتائج كبيرة في القرن الحالي وما يليه.

71 تزايد حرص الدول النامية على الانضمام للاتفاقيات الاقتصادية الدولية:
كان حرص تلك الدول على الانضمام للتكتلات الاقتصادية بنفس درجة حرص الدول المتقدمة ، سواء كان ذلك خوفا من تعرضها للعقوبات من قبل المنظمتين أو الدول المتقدمة أو طمعا في الاستفادة من مزايا الانضمام لهذه الاتفاقيات.

72 زيادة اللجوء إلى استخدام العقوبات الاقتصادية في حل المنازعات:
لم يكن من المتوقع أن التعهدات التي قطعتها دول العالم المتقدم – والنامي أيضا – على نفسها غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية وعند تأسيس منظمة الأمم المتحدة على حل الخلافات بينها باستخدام الوسائل السلمية دون اللجوء لقوة السلاح ، سوف تعني في نهاية القرن أن يكون تركيز الدول المتقدمة على استخدام العقوبات الاقتصادية بديلا ولو مؤقتا عن شن الحروب على الدول النامية. وهو ما بدا واضحا في فرض العقوبات الاقتصادية على دول كثيرة ، يلاحظ أن ليس من بينها دولة متقدمة واحدة. وقد بدأت الدول المتقدمة تنتهج ذلك الأسلوب منذ عقود عندما فرضت الولايات المتحدة الحصار الاقتصادي على كوبا ، ثم امتدت لتشمل الآن ليبيا والعراق ، وغيرها.

73 ثانيا أهم أنواع الجرائم الاقتصادية التي نجمت عن هذه المستجدات الدور الذي تلعبه الدول النامية في تسهيل وقوعها أ- الجرائم التي تقع المسؤولية الأساسية فيها على الدول المتقدمة : ب- الجرائم التي تقع فيها المسؤولية الأساسية فيها على الدول النامية:

74 أ- الجرائم التي تقع المسؤولية الأساسية فيها على الدول المتقدمة :
المديونيات الخارجية : ويقصد بها القروض التي تضطر الدول النامية للحصول عليها من الدول الأخرى المتقدمة أو المنظمات العالمية كصناديق التمويل أو صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي للتعمير والتنمية ، لتمويل التنمية الاقتصادية بها أو في كثير من الأحيان لسد التزامات قد تكون مترتبة على تسديد ديون أخرى تم الحصول عليها في فترات سابقة.

75 وقد أثبت الواقع العملي أن كل ما يقال من نظريات عن الدور الذي يمكن للديون الخارجية أن تلعبه في التنمية الاقتصادية ربما يصلح للدول المتقدمة ، لكنه لا ينطبق على الدول النامية ، وذلك بحكم ما أثبتته التجارب الواقعية في العديد من هذه الدول من عدم مقدرة الأجهزة المختصة فيها على الاستفادة من هذه الديون بالشكل الذي يعظم العائد منها ويسهل سدادها في المدى الزمني المحدد لها من ناحية ، وبحكم وجود ضغوط تمارسها عليها الجهات المانحة من ناحية أخرى ، هذه الجهات التي قد يكون لها مصلحة في مد أمد السداد لما يعود عليها من زيادة في الفوائد المتحصلة منها ، لاسيما وأن إعادة جدولة الدين في كثير من الأحيان ترتبط برفع سعر الفائدة.

76 خلصت دراسة أخرى قامت بها مؤسسة "Development Gap" تتعلق بتقييم اقتصادات 83 دولة من الدول التي حصلت على قروض من صندوق النقد الدولي خلال العقدين المنصرمين ، إلى أن معظم هذه الدول شهد ارتفاعا في أرقام البطالة وتدنيا في المستوى الحقيقي للأجور واختلالا في توازن توزيع الدخل وزيادة في مستوى الفقر وتراجعا في الإنتاج الغذائي وارتفاعا في ديونها الخارجية وانخفاضا في مستوى الإنفاق الاجتماعي.

77 وقد بدأت مأساة العالم الثالث في الثمانينيات حين تخلصت بعض البنوك الأمريكية الكبرى من لسيولة الفائضة لديها عن طريق منح قروض ضخمة لدول أمريكا اللاتينية التي لا تملك قدرة الإيفاء بأقساط الديون وفوائدها. وهكذا تمكن الجنرالات في البرازيل والأرجنتين وتشيلي وغيرها من تخصيص مليارات الدولارات للتسلح لقمع شعوبهم وإرهابها. في تلك الفترة بلغت قيمة القروض التي منحتها البنوك الأمريكية 132 في المائة من مجموع رساميلها. وعندما بدأت الدول المدينة تتخلف عن تسديد ديونها تحولت أزمتها المستعصية إلى مصدر ربح إضافي للبنوك المقرضة ، إذ أن إعادة جدولة الديون تتيح للمقرضين الحصول على مبلغ فوائد أكبر بحكم تمديد فترة السداد. والثابت أن الديون الخارجية كانت سببا هاما في كثير من الأزمات الاقتصادية والمالية مثل كثير من الأزمات التي مرت بها دول أفريقيا وأزمة شرق آسيا والأزمة الحالية التي عصفت باقتصاد الأرجنتين ، وغيرها.

78 - المساعدات والمعونات الخارجية :
على عكس ما كان متوقعا في بداية ما يعرف بالنظام العالمي الجديد ، اقترن توسع نطاق العولمة وعمليات تحرير التجارة الدولية بانخفاض مستمر في المساعدات التي يطلق عليها معونات التنمية. إذ تشير الإحصائيات مثلا إلى أن ما يعرف بمعونات التنمية التي تقدمها الدول الإحدى والعشرون الأعضاء في منظمة "OECD" لم تتعد 0.25% من الناتج المحلي الإجمالي فيها منذ 1996 رغم ما تنص عليه الجات من ضرورة توفير معونات مالية مستمرة . إضافة إلى ذلك فإن النسبة الأكبر من هذه المعونات تذهب إلى عقد ندوات ومؤتمرات علمية كان المستفيد الأول منها هو الخبراء الأجانب الذين شاركوا فيها وتلقوا الجزء الأكبر من ميزانيتها كأتعاب لقاء مشاركاتهم.

79 ويلاحظ أن غالبية المساعدات التي تقدمها الدول المتقدمة للدول النامية تكون مشروطة بشروط تصب في النهاية في مصلحة الدولة المانحة ، كأن يشترط أن توجه المعونة أو نسبة محددة منها لشراء سلع وخدمات من الدولة المانحة ، أو يشترط أن يوجه جزء منها لتمويل شراء أسلحة وعتاد حربي قد لا تكون الدولة النامية بحاجة إلى اقتناءه بقدر ما تكون الدول المانحة بحاجة للتخلص منه. وفي أفضل الأحوال تكون المساعدات التنموية موجهة لخدمة مشروعات ثقافية ربما تكون رغم أهميتها ليست ذات أولوية بالنسبة للدولة المتلقية للمساعدة.

80 - المنافسة غير المتكافئة بين الدول النامية والدول المتقدمة :
انعكست المنافسة غير المتكافئة بين الدول النامية والدول المتقدمة على تضرر المجموعة الأولى لمصلحة الأخيرة ، ولم تكتف الدول المتقدمة بذلك بل إنها تتمادى في مطالبة الدول النامية بمزيد من تحرير تجارتها وفتح أسواقها. لتضمن انسياب منتجاتها المدعومة بكل مقومات القوة إلى الأسواق النامية ، لتنافس المنتجات الناشئة في تلك الأسواق وغيرها من الأسواق الخارجية. على النحو الذي سيرد ذكره عند الحديث عن منظمة التجارة العالمية ، التي بدأت آثارها على معدلات التبادل التجاري بين الدول المتقدمة والنامية تتضح. بل وتشير التوقعات إلى أن انضمام الصين لمنظمة التجارة العالمية بما تتمتع به من مزايا نسبية تتجلى في انخفاض تكلفة الإنتاج سوف يؤدي إلى زيادة غزو أسواق الدول النامية بالمنتجات الصينية الرخيصة الثمن ، مما سيضاعف من مصاعب نفاذ منتجات الدول النامية إلى الأسواق الدولية لمواجهتها بمنافسة شديدة من المنتجات الصينية.

81 الغريب في الأمر أن الدول المتقدمة لا تتردد في حماية منتجاتها من منافسة منتجـات الدول النامية التي تستشعر أنها ربما تهدد المقدرة التنافسية لمنتجاتها أو أسواقها ، ولا أدل على ذلك من فرض الولايات المتحدة نظام الحصص على وارداتها من الملابس الجاهزة من دول نامية مثل دول الخليج أو الدول الآسيوية الصغيرة. أو ما تفرضه دول الاتحاد الأوربي من ضرائب جمركية على وارداتها من دول الخليج من الألومنيوم أو المنتجات البتروكيماوية ، أو ما تفرضه من ضرائب على وارداتها النفطية. وقد كانت نتيجة ذلك اعتراف المدير العام لمنظمة التجارة العالمية مايك مور أمام مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية والتجارة "الأونكتاد" بأن الدول الأقل نموا لا تحظى سوى بنسبة 0.5% من التجارة العالمية.

82 دور الشركات متعددة الجنسيات :
ورد في " تقرير الاستثمار العالمي للعام 2001" الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «اونكتاد» أن عدد الشركات متعددة الجنسيات قد تجاوز 60 ألف شركة ، ترتبط بأكثر من 800 ألف من فروعها في الخارج. وعلى الرغم من أن هذه الشركات تمارس نشاطها في مختلف دول العالم فإنها تحقق أقصى نسب ربحية من الأنشطة التي تمارسها في الدول النامية ، سواء كان ذلك من خلال حصولها على المواد الخام والمستلزمات الإنتاجية بأسعار بالغة الرخص ، أو من خلال تمتعها بالعديد من الإعفاءات من الرسوم والجمارك باعتبارها استثمارات أجنبية تتسابق الدول النامية إلى جذبها للعمل فيها ، أو من خلال تسويق منتجاتها في أسواق تلك الدول التي تمتاز بسمتين أساسيتين هما الطاقة الاستيعابية العالية بحكم الكثافة السكانية ، وتفضيل المنتجات الأجنبية على المنتجات الوطنية بغض النظر عن الفروق في الأسعار.

83 وبالنظر إلى دور الشركات المتعددة الجنسيات في الإمارات- كمثال للدول النامية - يلاحظ أنه رغم تعدد المزايا والتسهيلات والإعفاءات المقدمة لهذه الشركات فإنها لا تساهم بالدور الأساسي المطلوب منها وهو رفع المستوى النوعي للاقتصاد المحلي أو نقل التكنولوجيا لأي من قطاعاته ، أو توظيف أو تدريب وتأهيل الموارد البشرية ، واستيعاب نسبة من مدخلات الإنتاج المحلية في العمليات التشغيلية. في الوقت ذاته تستفيد هذه الشركات من ميزة أساسية في تسويق منتجاتها في المنطقة منافسة للمنتجات الوطنية ومتغلبة عليها في كثير من الأحيان ، لاسيما وقد أصبح تسويق منتجات هذه الشركات الأجنبية فيما بين دول مجلس التعاون الخليجي معفى من أى ضرائب جمركية طالما أنها تستوفي شرط وصول قيمتها المضافة إلى 40% .

84 إلى جانب ذلك فإن كثيرا من شركات الدول النامية التي تتعامل مع هذه الشركات العالمية قد تعرضت لخسائر كبيرة ، كان آخرها تعرض إحدى الشركات السعودية الرائدة لخسائر فاقت قيمتها 101 مليون دولار نتيجة إفلاس شركة "انرون" – وهي إحدى الشركات الأميركية العاملة في مجال الوساطة والسمسرة في مجال الطاقة - . ولعل الأكثر ضررا في هذا الصدد أن الشركات الغربية عموما ، والمنتجة للأسلحة والطائرات العسكرية بوجه خاص تستخدم أساليب ملتوية منها مثلا تقديم الرشاوى للمسؤولين في الدول الفقيرة للحصول على عقود مبيعاتها. وقد ظهرت العديد من الدراسات حول هذا الموضوع كان من أبرزها ما ورد في كتابBribery & Extortion in World Business لمؤلفه Jacoby, N. الذي صدر عام 1997 ، شارحا بالتفصيل تلك الممارسات ومحذرا الدول النامية من مغباتها.

85 الآثار السلبية لمنظمة التجارة العالمية :
أصبحت الـدول النامية مضطرة للالتحاق بعضوية هذه المنظمة تطبيقا لما يعرف بنظرية الجبر الاختياري ، حيث بلغ عدد الدول الأعضاء فيها 145 دولة تمثل قرابة ثلاثة أرباع دول العالم ، ما يعني أن الدول التي ستختار البقاء خارجها سوف تصبح معزولة تدريجيا عن المجتمع الاقتصادي العالمي.

86 فالملاحظ أن المنظمة منذ قيامها تتيح للدول المتقدمة فرص الحصول على أقصى ما يمكن من الحقوق التي تضمن لمستثمريها حرية الدخول والعمل في أسواق الدول الأخرى ، على حين لا تمنح الدول النامية الوقت الكافي للانتهاء بنجاح من عملية الضبط والتوافق المطلوبة بما يتفق مع برامجها التنموية. كما شهدت الاجتماعات الأخيرة تكرار إهمال مناقشة الصعوبات التي تواجه الدول النامية في اللجوء إلى نظام تسوية المنازعـات في إطار منظمة التجارة العالمية وعدم التركيز على قضية العلاقة بين التجارة والتنمية ، والتقاعس في بلورة القضايا المهمة مثل العولمة البيئية وانعكاساتها السلبية على الدول النامية والتجارة الإلكترونية ، والتركيز على إلغاء مختلف أشكال الدعم الداخلي الذي تقدمه الدول النامية لقطاعاتها الإنتاجية لدعم قدراتها التنافسية مع الدول المتقدمة ، مما يؤثر على فرص التنمية الاقتصادية فيها ويحد من قدرة الدول النامية على التصدير والتنافس في الأسواق العالمية.

87 - استقطاب المهارات والكفاءات العلمية المميزة من الدول النامية :
أظهر تقرير عرض على "المؤتمر التمهيدي لقمة العالم للتنمية" المقرر عقدها في العام المقبل ، والتي يطلق عليها اسم قمة الأرض والمقرر أن تعقد في جوهانسبرج في سبتمبر عام أن أفريقيا فقدت نحو ثلث عمالتها من المهنيين المهرة في العقود القليلة الماضية واضطرت لاستبدالهم بوافدين من الغرب بتكلفة بلغت أربعة مليارات دولار سنويا· تعادل ما نسبته 35 في المائة من المساعدات الدولية الرسمية للتنمية التي تتلقاها القارة · وأفاد التقرير أن ما يسمى بهجرة العقول عطل النمو الاقتصادي والاجتماعي في القارة مما أدى إلى زيادة مستوى الفقر وتأخر التنمية الاقتصادية. إذ إن نحو 23 ألفا من الأكاديميين يهاجرون من أفريقيا كل عام بحثا عن فرص عمل أفضل. وقد خسرت المنطقة ما يقدر بنحو 60 ألفا من المديرين على مستويات الإدارة العالية والمتوسطة بين عامي 1985 و1990. في الوقن ذاته حرصت الدول المتقدمة منذ أمد بعيد على استقطاب العلماء المتميزين من رعايا الدول النامية للعمل بها ، ما يحرم هذه الدول من الاستفادة من خبرات أبنائها ومن ثم الاضطرار للاستعانة بالخبراء الأجانب.

88 - الآثار السلبية لالتزام الدول النامية بقوانين حماية الملكية وبراءات الاختراع :
لا يستطيع أحد أن يجادل في أحقية صاحب الاختراع أو الابتكار أو المصنف الأدبي في أن يحمي حقوقه المادية والمعنوية لما في ذلك من تشجيع للإبداع في كافة مجالاته. غير أن الدول المتقدمة التي ما تفتأ تتباهى بدعمها للتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول النامية كان من المفترض أن تراعي ألا تنعكس حمايتها للملكية الفكرية على عدم الإضرار بتلك الدول ، لاسيما وأن كثيراً من المخترعات التي توصلت اليها الدول المتقدمة ترجع في بعض مصادرها إلى الدول النامية. وقد أثيرت أكثر من مرة قضية الاختراعات العلمية التي تظهر في تلك الأخيرة بصورة مبسطة فتنقل إلى الدول المتقدمة حيث يتم إدخال بعض التعديلات عليها وتدرج ضمن الابتكارات الغربية دون أي حق للمصدر الأصلي. وينطبق ذلك على بعض الأدوية التي تستخلص من أعشاب يكون استخدامها معروفا في إقليم بعينه.

89 وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن متوسط ما تدفعه الدول العربية ، باعتبارها تمثل شريحة من الدول النامية ، للشركات العالمية مقابل براءات الاختراع والوكالات التجارية يصل إلى أكثر من 12 مليار دولار سنويا.

90 التخلص من المخلفات الصناعية الخطرة والمخلفات النووية في الدول النامية :
تقوم الدول المتقدمة أحيانا بالتخلص من نفاياتها الصناعية الخطرة والمشعة تحديدا ، بل والنووية أيضا بشحنها إلى الدول المتقدمة لدفنها في أراضيها. وقد تكرر اعتراض بعض الهيئات العالمية المختصة والجمعيات التطوعية ، وأشهرها جماعة السلام الأخضر ، على تلك الممارسات ، وتكرر كشف صفقات كان دفن النفايات النووية والصناعية يتم فيها بمشاركة أطراف من الدول النامية ، سواء من رجال الأعمال أو بعض الحكومات ، التي لم يكن بعضها يدرك ماهية تلك المواد وما مقدار خطورتها على التربة والمحاصيل الزراعية والمياه الجوفية والبيئة المحلية والإنسان عموما على الأمدين القصير والطويل. إضافة لذلك أثبتت بعض التجارب الواقعية أن بعض هذه الشركات لا يلقي اهتماما إلى الحفاظ على البيئة في الدول النامية التي يمارس نشاطه بها وكان من أهم الحوادث التي لفتت الانتباه إلى ذلك الكارثة البيئية التي تسببت فيها شركة "يونيون كاربيد" في الهند في الثمانينيات.

91 الإغراق : على الرغم من أن الإغراق ظاهرة قصيرة الأجل في معظم الحالات. إلا أنها تلحق أضرارا بالغة بالاقتصاد الذي يتعرض لها بسبب استئثار الواردات المغرقة الرخيصة السعر نسبيا بحصة سوقية كبيرة على حساب المنتجات الوطنية والواردات الأخرى ، ما يخل بتوازن السوق ويؤثر على ربحية المنتجين الآخرين إلى درجة قد تؤدي في صورتها المتطرفة إلى الاحتكار المؤقت وخروج بعض المنتجين الذين لا يستطيعون الصمود في وجه المنافسة غير العادلة من السوق. ومما يؤسف له أن معظم الدول النامية لم تشرع قوانين مكافحة الإغراق حتى الآن. وعلى حين تنبهت بعضها إلى أهمية هذه القوانين وبدأت في العمل بها - مثل دولة الإمارات التي انتهت من وضع المسودة الأساسية لقانون الإغراق - فإن البعض الآخر لا يزال ينتظر الاستفادة من تطبيق بنود مكافحة الإغراق التي تنص عليها اتفاقية منظمة التجارة العالمية.

92 غسيل الأموال :ولاشك أن هذه الجريمة تنعكس انعكاسا سيئا على الاقتصادات النامية حيث تؤثر على أرقام الدخل القومي مما يفقد الإحصائيات الاقتصادية معناها ومن ثم يؤثر على عملية صنع القرارات الاقتصادية نتيجة وجود معلومات غير منطقية وغير مبررة. إضافة إلى تأثيرها على الأفراد الذين ينغمسون فيها حيث يتوقف لديهم الباعث على العمل نتيجة الكسب غير المشروع وهو ما يؤثر بدوره على التوازن الاجتماعي حال انتشار هذه الظاهرة. إضافة لأن شيوع هذه العمليات يؤثر سلبا على معدلات الادخار السائدة في المجتمع ، حيث يحاول الحاصلون على أموالها إنفاقها بسرعة وهو ما يرفع معدل التضخم في الدولة ، إضافة إلى تأثير ذلك على أسعار صرف العملات الوطنية ومن ثم تأثيره على الميزان التجاري للدولة. ولعل من أهم نتائج هذه الظاهرة زيادة معدل البطالة في الدول النامية التي ترد اليها هذه الأموال.

93 التجسس الاقتصادي: وتشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة تليها اليابان ، فالصين ، ثم "إسرائيل" تعد الدول الأطول باعا في مجال التجسس الاقتصادي. وقد أشارت دراسة صادرة عن الكونجرس الأمريكي إلى أن الدور الذي لعبته وكالة المخابرات المركزية في التجسس الاقتصادي على دول العالم المختلفة والنامية منها على وجه التحديد ونقل المعلومات التي تحصل عليها إلى كبريات الشركات الأميركية كان العامل الأكبر الذي أدى إلى حصول الولايات المتحدة على حصة تزيد عن 73% من جملة مبيعات الأسلحة والمعدات الإلكترونية في العالم. والجدير بالذكر أن هناك إدارة منفردة في وكالة المخابرات المركزية هي (The Five ( وظيفتها الأساسية تتركز على تتبع كافة الأنشطة الاقتصادية والمالية في كافة دول العالم لتحديد مدى ما قد ينجم عنها من تهديد للمصالح الأميركية ، سواء داخل الولايات المتحدة أو في أي مكان من العالم ، سواء كانت الدولة مصدر النشاط أو الدول الأخرى التي يمكن أن تتأثر به.

94 الآثار المترتبة على الانضمام للشراكات الاقتصادية:
على الرغم مما تؤكده الدول المتقدمة والمنظمات الدولية أن الهدف الأساسي من دخول هذه الدول في تكتلات أو شراكات اقتصادية مع الدول النامية إنما يكون هو مساعدة تلك الأخيرة بغية تعديل هياكلها الاقتصادية وتنميتها وتطويرها الخ. يشير الواقع إلى غير ذلك ، فعلى سبيل المثال : أشارت دراسة موضوعها "التعاون التجاري العربي - الأوروبي" صادرة عن مجلس الوحدة الاقتصادية العربية إلى عدم تحقيق مفاوضات الشراكة الخليجية - الأوروبية لنتائج حاسمة منذ 11 عاما ، وذلك بسبب عدم موضوعية وعدم جدية الجانب الأوربي ، الذي يسعى لاتفاق غير متوازن يحقق له مصالحه الذاتية دون الأخذ في الاعتبار مصالح الطرف الآخر وحقه في شراكة عادلة متوازنة تضمن له الحد الأدنى من المصالح. وأكدت الدراسة أنه على الرغم من قوة العلاقة التي تربط بين أوروبا ودول الخليج العربية إلا أن الاتحاد الأوروبي يضع العديد من المشاكل التي تعرقل نفاذ أهم الصادرات الخليجية للأسواق الأوروبية ، حيث يفرض 6% رسوم جمركية على وارداته من الألومنيوم الخليجي و14% على البتروكيماويات الخليجية ، علما بان حجم التبادل التجاري الخليجي الأوروبي تجاوز 36 مليار دولار إلا انه يتسم بالخلل الشديد لصالح الاتحاد الأوروبي بفائض بلغ 19 مليار دولار عام وعلى ذلك بات من المتوقع أن تواجه جهود إقامة منطقة تجارة حرة خليجية أوروبية مشاكل عديدة حال إصرار الطرف الأوروبي

95 حسم المصالح الاقتصادية بالحروب العسكرية :
لعله ليس من قبيل المصادفة أن الحروب دائما ما تكون بين دولة أو أكثر من الدول المتقدمة على دولة واحدة فقط من الدول النامية. فالدول المتقدمة لا تدخل حروبا مع بعضها البعض خوفا على اقتصدياتها ومجتمعاتها من الآثار التي تترتب على الحروب ، لكنها لا تتورع عن مهاجمة الدول النامية على أراضيها ثقة منها في عدم مقدرتها على شن هجوم مماثل يطال أراضي الدول المتقدمة.

96 ب- الجرائم التي تقع فيها المسؤولية الأساسية فيها على الدول النامية:
ولعل من أهم أسباب انتشار هذه الجرائم في الدول النامية ما يلاحظ من ضعف التشريعات الاقتصادية في النسبة الغالبة منها وعدم اكتمالها أو عدم استقرارها وكثرة تغيرها وتعدد الثغرات التي تمكن الجناة من تلافي الوقوع تحت طائلة العقوبات المنصوص عليها . ومن أهم هذه القوانين الاقتصادية : التشريعات المنظمة للسياسات النقدية والائتمانية ( إصدار النقود) ، منح القروض المصرفية ، وسائل الدفع ، قبول الودائع ، العلاقات بين البنك المركزي والبنوك التجارية التشريعات المنظمة للأسواق المالية (القواعد المنظمة لعمل بورصات الأوراق المالية ، عمليات البورصة الخ) تشريعات الاستثمار (تحديد مجالات الاستثمار ، الشكل القانوني للمشروعات وأحجامها ، الإعفاءات الضريبية. نظام الصرف ( التعامل بالنقد الأجنبي) السياسات المالية العامة للدولة (النفقات العامة والإيرادات العامة والموازنة العامة للدولة) نظام التجارة الخارجية (التشريعات المنظمة للاستيراد والتصدير ، الضرائب الجمركية ، النظم الجمركية الخاصة) التشريعات المنظمة للتعامل مع مؤسسات التمويل الدولية. وتجب الإشارة إلى أن هذه الدراسة تركز على الجرائم الاقتصادية التي تقع على الاقتصاد الكلي ، وليس الجرائم الفردية التي تقع على الأفراد كالسرقة والنصب ومـا إليها ، حيث أنها ، وعلى الرغم من أهميتها ، خارجة عن إطار الموضوع قيد البحث ومن أهم الجرائم الاقتصادية التي تقع مسؤوليتها على عاتق النظام أو الأفراد في الدول النامية الجرائم التالية :

97 - الجرائم المالية : هي كل فعل يعتدى فيه على حق من الحقوق المالية للدولة أو للأشخاص المعنوية العامة الأخرى ، أو هي كل فعل يترتب عليه ضياع حق من الحقوق المالية للدولة أو المساس بمصلحة مالية لها. مثال التهرب من الضرائب ، تبديد المرافق العامة ، إهدار المال العام ، الاختلاس ، قبول الرشوة وغيرها. حيث يلاحظ أن مستوى هذه النوعية من الجرائم تزداد في الدول النامية أكثر منها في الدول المتقدمة ، وذلك لأسباب عدة من أهمها: قصور الإدراك بخطورة الآثار السلبية التي تفرزها هذه الجرائم ، انخفاض متوسط الدخل الفردي واتساع شريحة محدودي الدخل ، الهوة المتزايدة بين الأغنياء والفقراء وما يترتب عليها من افتقاد المواطنين في بعض الدول إلى العدالة الاجتماعية ، ارتفاع معدل البطالة ،النظرة السلبية لبعض الحكومات في الدول النامية من قبل الأفراد الذين لا يرون أنها تحقق لهم طموحاتهم في الحياة الكريمة ، وكذلك ضعف الرقابة والفساد الإداري.

98 - جرائم الاقتصاد المخفي :
أصبح الاقتصاد المخفي ظاهرة تعاني منها العديد من الدول النامية ، ويقصد بها كافة الأنشطة غير المعلن عنها والتي لا تدخل ضمن حسابات الدخل القومي أو لا تخضع أرباحها أو عوائد المتأتية منها للضرائب في الدول التي تطبق نظماً ضريبية. وهي أنشطة غير مشروعة أحيانا ، غير أنها قد تكون مشروعة في أحيان أخرى غير أن القائمين عليها يعمدون إلى إخفائها لأسباب عديدة من أهمها التهرب من الضرائب. وترجع ظاهرة الاقتصاد المخفي في معظم الأحوال إلى عدة عوامل من أهمها تضخم الأسعار السائد أو المتوقع . وارتفاع نسبة الضرائب وزيادتها المستمرة ، ارتفاع معدلات البطالة ، عدم استقرار السياسات الاقتصادية وتغيرها المستمر ، النظم والقيود الحكومية الصارمة على ممارسة الأنشطة الاقتصادية. ويكون وقع هذه الجريمة سيئا على المستوى الإنساني باعتبار أن الفقراء هم الشريحة الأكثر تضررا منها مقارنة بالأغنياء. وتتلخص أهم الآثار السلبية لها على المجتمعات النامية في انخفاض حصيلة الدولة من الإيرادات العامة والتأثير السلبي على الاستقرار الاقتصادي وسياساته ، إضافة إلى انخفاض درجة مصداقية المعلومات الرسمية والمعلومات المتاحة عموما ، مما يؤثر في صواب اتخاذ القرارات وخفض معدل النمو العام من خلال انتقاصها من حجم الدخل القومي وتعميق عدم عدالة توزيع الدخل القومي ، إلى جانب ما ينجم عنها من إضعاف إنتاجية العمل في القطاع الرسمي.

99 - الاحتكار : يعتبر الاحتكار من الجرائم الاقتصادية في معظم الدول المتقدمة ، التي تفرض قوانينها الاقتصادية عقوبات صارمة على أصحاب الأعمال الذين تثبت عليهم تهمة الاحتكار ، لما لهم من آثار تدميرية على الاقتصادات التي يعملون بها. بينما تقل نسبة الدول النامية التي لديها قوانين تمنع الاحتكار. بل ويلاحظ أن النسبة الغالبة من الدول النامية التي شرعت قوانين تنص على عقوبات لردع المحتكرين تتقاعس في تنفيذ تلك العقوبات ، وتتعامل مع الاحتكار بصفته مخالفة وليس جريمة اقتصادية ، متذرعة في ذلك بتبنيها مبادىء الحرية الاقتصادية التي تحد من تدخل الدولة في الممارسات الاقتصادية في أضيق نطاق ممكن. الجرائم التي يكون فيها الجاني مضللا بتقديم خدمات شخصية : تتزايد هذه النوعية من الجرائم الاقتصادية في الدول النامية نتيجة لانخفاض مستوى الوعي بالمصلحة العامة وسيادة بعض القيم والأعراف التي قد تتعارض مع المصالح الاقتصادية ، مثل التستر على الجرائم التي تضر بالاقتصاد بوجه عام باعتبار أن الضرر لم يقع على شخص بالتحديد ، أو التستر على المجرمين لاعتبارات إنسانية ، أو قبول مساعدة الغير في تأسيس مشروعات دون التأكد من أنها مفيدة أو على الأقل غير ضارة بالاقتصاد ، وينسحب على ذلك القيام بدور الشريك الوهمي أو النائم أو الكفيل الصوري لبعض المستثمرين الأجانب سواء كان ذلك بدافع إنساني أو بهدف الحصول على المال. وتعتبر هذه الجريمة متعددة الأضرار على الاقتصاد باعتبار أنها تفتح الباب أمام كثير من المشروعات التي لا تحتاجها الدولة أو التي تضر بالنشاط الاقتصادي بها ، كما أنها تسمح لأفراد لم يكن دخولهم وإقامتهم في الدولة مسموحا بالالتفاف على القوانين المعمول بها والتواجد والعمل في الدولة. وهو ما نجم عنه في كثير من الأحوال إساءات للاقتصاد مثل ما تكرر في الإمارات من هروب رجال أعمال أجانب إلى جهات غير معلومة بأموال وقروض طائلة ، تركوا لشركائهم المحليين مسؤولية تسديدها جزاء لهم على كفالتهم وشراكتهم دون التأكد من مصداقيتهم.

100 تأسيس مشروعات ذات تأثيرات ضارة باقتصاد الدول النامية
لا أحد يجرم هذه الجريمة في الاقتصاديات النامية على الرغم من الأضرار التي تعود منها على الاقتصادات ، حيث كثيرا ما يقتصر المستثمر عند تأسيس مشروعه على معدل الربحية الذي سيعود علية دونما تفكير في العائد السلبي أو الإيجابي الذي سيعود على الاقتصاد ككل. كأن يعمد إلى تاسيس مشروع ضار بالبيئة أو يستخدم فنونا إنتاجية لا تتناسب مع اهداف التوظيف المطلوب تحقيقها ، أو ينتج سلعا تستنفذ موارد طبيعية محلية تتسم بالندرة أو يقيم وحداته الانتاجية في غير المناطق المخصصة لها ، الخ. وقد يكون هذا الخطأ نتيجة لجهل المستثمر أو تعمدا منه كما في حالة بعض الاستثمارات الأجنبية التي ترغب في تحقيق أقصى ربح في أقل فترة زمنية ممكنة. والواقع أن عددا غير قليل من الدول النامية تنبه لمثل هذه الممارسات وبدأ يشترط تقديم دراسات جدوى مبدئية للحصول على تراخيص مشروعات جديدة في أي قطاع محلي.

101 التعاون الدولي في مكافحة الظواهر السلبية للشركات المتعددة الجنسية
التعاون الدولي في مكافحة الظواهر السلبية للشركات المتعددة الجنسية الجرائم التي ترتكبها الشركات المتعددة الجنسية في عصر العولمة: ترتكب الشركات المتعددة الجنسية في عصرنا الحاضر عدداً من الجرائم الاقتصادية، كالرشوة، والمزاحمة غير المشروعة، والمضاربة على النقد، والتهرب من الضرائب، وتلويث البيئة، والتدخل في السياسة الوطنية، والمساس بأمن الدولة الداخلي و الخارجي، وحتى التحريض على ارتكاب بعض جرائم التصفية الجسدية[1]. وسوف نولي بعض هذه الجرائم الأكثر ارتباطاً بالجرائم الاقتصادية قدراً من التفصيل : فالرشوة (أو الفساد) أصبحت جزءاً أساسياً من سياسات الشركات المتعددة الجنسية. وذلك أن طبيعة عمل هذه الشركات في الدولة المضيفة يفتح لها باب الانغماس في السياسة المحلية بغية تهيئة الأجواء المناسبة للشركة في الحصول على مزيد من الامتيازات. وهذا يتطلب دخول الرشوة إلى حلقة المفاوضات لشراء الضمائر، إلى الحد الذي أصبحت فيه الرشوة نفقة تدرجها الشركات في ميزانياتها [2]. ([1]) د. مصطفى العوجي، المرجع السابق، ص 482. ([2]) د. مصطفى العوجي، المرجع السابق، ص 322 و 482.

102 المزاحمة (أو المنافسة) غير المشروعة والاحتكار، وذلك بالحصول على امتيازات اقتصادية تقوي من مركز الشركة عبر الوطنية تجاه الشركات الصغيرة التي غالباً ما تؤول إلى الزوال، بسبب ضعف قدرتها على المزاحمة في سوق تنافسي لا قدرة لها على مواجهته.

103 التهرب الضريبي الذي أصبح سمة من سمات الشركات عبر الوطنية، وهو نتيجة لتمركز هذه الشركات في دول أجنبية، وتحالفها واندماجها وسيطرتها، الأمر الذي يسهل لها عمليات التخلص من القوانين المحلية، ومنها القوانين الضريبية. وهذا التهرب يتطلب تزوير الوثائق، والتلاعب بالحسابات، وتقديم بيانات كاذبة، وقد يصل الأمر أحياناً إلى الضغط على الدول لسن تشريعات ضريبية تنسجم مع مصالحها الخاصة [1] . ([1]) راجع: د. ماجد شدود، المرجع السابق، ص 124 و 125.

104 تهريب الأرباح للخارج. وهذا التهريب يتم بطرق مختلفة تبرْع فيها الشركات المتعددة الجنسية، بتخصيص جزء كبير من رأسمال الشركة للدراسات الفنية، وصيانة الآليات، وتقديم الاختصاصيين … وغير ذلك من أعمال تتم في إقليم الشركة الأم، و تظهر نفقات الاستثمار بمظاهر مضخمة يصعب التدخل في رقابتها وضبطها [1] . ([1]) راجع: د. مصطفى العوجي، المرجع السابق، ص 323.

105 التنظيم الدولي لنشاطات الشركات المتعددة الجنسية :
وبعد دراسات طويلة استمرت عدة سنوات، توصلت "لجنة الشركات عبر الوطنية" التابعة للمجلس الاقتصادي و الاجتماعي للأمم المتحدة إلى صياغة شبه نهائية لمشروع "نظام مناقبي" رفع إلى المجلس المذكور في شهر أيار / مايو ويتضمن هذا النظام القواعد الرئيسية التالية: الحاجة إلى تنظيم دولي شامل للشركات عبر الوطنية. احترام السيادة القومية للدولة المضيفة ومراعاة القوانين و الأنظمة و الممارسات الإدارية المحلية. احترام قوانين الدولة المضيفة و أنظمتها المتعلقة بالضرائب. عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول المضيفة وفي العلاقات بين الحكومات. احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية. الالتزام بالغايات الاقتصادية و أهداف التنمية وسياساتها و أولوياتها، وبالأهداف و القيم الاجتماعية والثقافية في الدولة المضيفة. الامتناع عن ممارسات الفساد. العمل على حماية المستهلك و البيئة مع إبلاء الاعتبار الواجب للمعايير البيئية على الصعيد الدولي[1] . وإلى جانب نشاطات الأمم المتحدة نحو تنظيم الشركات المتعددة الجنسية، تهتم بعض المنظمات الدولية بالأشكال القانونية لهذه الشركات، وتسعى إلى وضع القواعد المناسبة لسلوكها، مثل لجنة القانون التجاري الدولي. وذلك بالإضافة إلى تساؤلات حول إمكانية صياغة تشريع عالمي موحد، أو قوانين نموذجية، تضبط ممارسات الشركات عبر الوطنية. ([1]) راجع في شرح هذه القواعد: د. يحيى عبد الرحمن رضا، المرجع السابق، ص 1051 ، ومابعدها.


Télécharger ppt "الجرائم الاقتصادية الدكتور / ممدوح عبد الحميد عبد المطلب"

Présentations similaires


Annonces Google